البث المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي أصبح ظاهرة معاصرة لفتت أنظار العالم، فتحول من مجرد وسيلة للتسلية والتواصل بين الأصدقاء إلى باب رزق يعتمد عليه الكثيرون.
البعض وجده طريقًا سريعًا للشهرة والكسب، لكن الحقيقة أن هذه الوسيلة تحمل في طياتها سلبيات لا تقل عن إيجابياتها. فقد أدى الاعتماد المفرط على البث المباشر إلى تراجع العديد من العادات والتقاليد التي تميز مجتمعاتنا، إذ أصبح البعض يتعمدون لفت الأنظار عبر سلوكيات بعيدة عن قيمنا وأخلاقياتنا من أجل جمع أكبر عدد من المشاهدات.
كما أن فكرة الكسب السهل دفعت كثيرًا من الشباب إلى الابتعاد عن طلب العلم أو ممارسة الحرف والمهن المنتجة، مفضلين الجلوس أمام الشاشات في انتظار الهدايا والإعلانات. وفي ذلك تذكير بقوله تعالى: “وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى”، فالعمل الحقيقي هو أساس الرزق الكريم. وإلى جانب ذلك، خلق البث المباشر حالة من الإدمان على الشهرة الزائفة، فصار بعض الشباب يعيشون في عزلة اجتماعية، يطاردون المتابعين بينما يبتعدون عن أسرهم ودوائرهم الحقيقية.
لكن في المقابل، لا يمكن إنكار أن البث المباشر قد أتاح فرصًا جديدة من منظور التنمية البشرية. فقد ساعد الكثيرين على تطوير مهارات التواصل والعرض والإقناع، وهي قدرات يحتاجها سوق العمل في أي مجال. كما منح الأفراد فرصة للتعبير عن أنفسهم ومشاركة مواهبهم وأفكارهم مع العالم، بل وتحويل هذه المواهب إلى مشروعات صغيرة عبر الإنترنت، ليصدق في ذلك قول الحكمة: من جدّ وجد، ومن زرع حصد. وهناك نماذج مضيئة استطاعت تحويل البث المباشر إلى منصة للتعليم والتوعية والعمل الخيري، لتثبت أن التقنية سلاح ذو حدين.
الخلاصة أن البث المباشر ليس شرًا مطلقًا ولا خيرًا مطلقًا، بل هو أداة يحدد أثرها ونتائجها وعي الإنسان ونيته. فإن استخدمناه في الخير أصبح وسيلة للبناء وتنمية الذات والتأثير الإيجابي، وإن أسأنا استخدامه كان طريقًا إلى ضياع الوقت وتآكل القيم. وكما قال رسول الله ﷺ: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى”. فلنُحسن النية ونحافظ على قيمنا ونوجه هذه الوسائل لما ينفعنا وينفع مجتمعنا.

