21 ديسمبر، 2025
البترول

دكتورة مها الجمال تكتب:  إعادة الإستخدام واقتصاد لا يهدر

في زمن تتسارع فيه التحديات البيئية، لم تعد الاستدامة مجرد شعار يُرفع، بل أصبحت التزامًا يتطلب وعيًا عميقًا وإدارة رشيدة للموارد. ومن هنا تبرز إعادة الاستخدام (Recycling) كأحد المفاهيم التي تعكس هذا الوعي، حيث تتحول المخلفات من عبء بيئي إلى مورد قابل لإعادة التوظيف، في دورة متكاملة تحافظ على القيمة وتحد من الإهدار.
ويأتي هذا المفهوم في صميم الاقتصاد الدائري، الذي يقوم على الاستخدام الأمثل للموارد وإبقائها داخل دائرة الإنتاج لأطول فترة ممكنة، بما يحقق التوازن بين متطلبات التنمية والحفاظ على البيئة ، وهو توجه تتبناه العديد من القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها قطاع البترول، إدراكًا لدوره المحوري في دعم الاقتصاد الوطني ومسؤوليته تجاه المجتمع والبيئة.
ومن الأمثلة القريبة إلى الحياة اليومية زيت الطعام المستعمل، الذي غالبًا ما يتم التخلص منه بطرق غير آمنة تؤدي إلى تلوث المياه والتربة وإهدار مورد يمكن الاستفادة منه من خلال جمع هذا الزيت وإعادة تدويره واستخدامه في صناعات مستدامة، مثل إنتاج الوقود الحيوي (البيوديزل)، ليعود مرة أخرى إلى دائرة النفع، مجسدًا أحد تطبيقات الاقتصاد الدائري على أرض الواقع وهناك أمثلة كثيرة واضحة في حياتنا اليومية والتي تحتاج الي اعادة تفكير نحو تطبيق مبدأ Zero wastes لتعظيم الاستفادة.
ويعمل قطاع البترول ، في هذا الإطار، على دعم التوجهات التي تعزز كفاءة استخدام الموارد طبقًا لرؤية الدولة وأهدافها نحو تحقيق الاستدامة وتوسيع الاعتماد على البدائل الأنظف، وخفض الأثر البيئي للأنشطة المختلفة، من خلال تبني حلول مبتكرة تقوم على إعادة الاستخدام والتدوير وتحقيق أعلى استفادة ممكنة من الموارد المتاحة ومن هذا ما نشهده من العمل على دعم الاستثمار فى مشروع وقود الطائرات SAF الذى تنفذه الشركة المصرية القابضة للبتروكيماويات حاليًا ضمن المحاور الرئيسية لاستراتيجية وزارة البترول والثروة المعدنية وخلال العام الماضي أعلنت الشركة القابضة للبتروكيماويات عن تأسيس شركة إنتاج وقود الطائرات المستدام (ESAF) بشراكة بين شركات حكومية بنسبة 85% و15% للقطاع الخاص، وهي خطوة مدفوعة بالتزام دولي بخفض انبعاثات الكربون تدريجيًا داخل مجال الاتحاد الأوروبي وتتطلع إلى رفع نسبة زيت الطعام المستعمل في وقود الطائرات إلى 2% خلال الفترة من عام 2026 إلى 2030 ثم إلى 5% حتى عام 2035 وتصل عام 2040 إلى أكثر من 10%.
إن إعادة الاستخدام تعلمنا أن القيمة لا تزول بمرور الزمن، بل تتجدد بحسن الرؤية ، وهي فن الإكتفاء وبلاغة البقاء، حيث تتحول الأشياء المهملة إلى شهود على وعي الإنسان ورقة اختياره ، فالاستدامة لا تُبنى بقرار واحد، ولا تتحقق بخطوة منفردة، بل هي مسار طويل يبدأ بالوعي، ويترسخ بالممارسة، ويكتمل بتكامل الأدوار بين الفرد والمؤسسة الذين يمثلون الأعمدة الرئيسية لهذا المشروع .
حين نعيد التفكير في قيمة ما نستهلكه، ونمنح الموارد فرصة جديدة للحياة، نكون قد أسهمنا في بناء اقتصاد أكثر وعيًا، وبيئة أكثر أمانًا، ومستقبل يستحق أن يُورث للأجيال القادمة.

….

دكتور مها الجمال – مدير إدارة البيئة بالهيئة المصرية العامة للبترول 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *