كان يومًا عاديًا.. أو هكذا بدأ..
بعد شهر من العمل المتواصل، تلقّى إشعارًا بوصول الراتب إلى حسابه البنكي، تنفّس الصعداء، ينتظر هذا اليوم بفارغ الصبر على أحر من الجمر ليُسدّد ما تراكم عليه من التزامات، ويشتري ما وعد به أبناءه من حاجات بسيطة، لكنها عندهم بحجم الدنيا.
ذهب إلى ماكينة الصراف الآلي، أدخل بطاقته، بصغطه على عدة أرقام على لوحة الماكينة طلب المبلغ..
توقفت الماكينة للحظة، ظهرت على شاشتها عبارة قصيرة ..«رجاء الانتظار»
مجرد كلمات.. لكنها فجّرت بداخله شيئًا كبيرًا.
طال الانتظار، ولم تخرج البطاقة ولا النقود. ثوانٍ معدودة، لكنها بدت له دهورًا..
في تلك اللحظة، تسلّلت إلى ذهنه كل المخاوف الممكنة:
ماذا لو لم تخرج النقود؟
.. ماذا لو ابتلعت الماكينة البطاقة؟
… ماذا سأقول لأطفالي؟
…. كيف سأواجه من ينتظرون المال؟
بدأت الأسئلة تزداد، وتتكاثر، وتكبر…
حتى تحوّلت إلى قلق خانق، وإحباط ثقيل..
خرح من غفوته فجأة على صوت عد الماكينة للنقود وتكة خروج البطاقة.. تبعتها النقود.
منظر ولادة النقود من الماكينة أعاد إليه روحه وأخذ نفسا عميقا، وارتخت عضلات وجهه، وكأن روحه قد عادت إلى جسده بعد غياب..
لكنه لم يذهب على الفور..
وقف مكانه يفكر، ليس في المال، ولا في الماكينة، بل في حال قلبه..
قال في نفسه:
“هل أملك الإيمان الكافي بربي؟
لماذا كل هذا الخوف؟
أنا لم أقصّر في عملي، وأعلم أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
فلماذا إذًا هذا القلق؟”
توالت الأسئلة، وبدأ يحاسب نفسه بصمت.
لماذا أقلق على أطفالي، وأنا أفعل ما بوسعي من أجلهم؟
لماذا أريد النتائج فورية في كل شيء؟
في الرزق، في تربية الأولاد، في الاستقرار…
وكأنني لا أطيق الانتظار، ولا أؤمن بأن الله يُمهل ليُحسن، ويُؤخر ليُعطي الأفضل.
اكتشف حينها أن العجلة ليست دليل إيمان، وأن الانتظار في كثير من الأحيان هو اختبار للثقة، وصبر على التدبير الإلهي.
في تلك اللحظة أدرك شيئًا بسيطًا لكنه عظيم:
أن العبارة التي ظهرت على شاشة الماكينة لم تكن تعليمات مؤقتة، بل كانت حكمة عميقة، ودعوة من الحياة لأن يعيش بإيمان لا يقلق، وبثقة لا تهتز.
“رجاء الانتظار”
ليست مجرد عبارة… إنها أسلوب حياة.
افعل ما عليك، ثم سلّم الأمر لله، وانتظر.
انتظر لا بقلق، بل بيقين.
انتظر لا بخوف، بل بحسن ظن.
فالنتائج ستأتي، وستكون كما تمنّيتها، أو أجمل.
“رجاء الانتظار”