برز الرؤساء التنفيذيون في قطاع النفط كمصدر تمويل متزايد الأهمية لدونالد ترمب، حيث يغدق عمالقة الصناعة الأموال من أجل دعم حملة المرشح الجمهوري للفوز بفترة رئاسية ثانية في البيت الأبيض.
من بين المليارديرات الداعمين لترمب كيلسي وارن، الرئيس التنفيذي لشركة تشغيل خطوط الأنابيب “إنرجي ترانسفير” (Energy Transfer)؛ وهارولد هام، مؤسس “كونتيننتال ريسورسز” (.Continental Resources Inc)، وجيف هيلدبراند، الرئيس التنفيذي لشركة “هيلكورب إنرجي” (Hilcorp Energy).
سعى ترمب الأسبوع الماضي إلى الحصول على مزيد من الدعم عبر عقد فعاليات لجمع التبرعات في ميدلاند بولاية تكساس، حيث يقع حوض برميان غزير الإنتاج، وفي هيوستن، التي تصف نفسها بأنها “عاصمة الطاقة في العالم”. ويأتي هذا التحرك استكمالاً لفعاليات سابقة لجمع تبرعات أُقيمت في مايو بمشاركة مانحين في دالاس وهيوستن، وجلسة مغلقة لمائدة مستديرة للطاقة مع الرؤساء التنفيذيين في نادي “مار-إيه-لاغو” التابع لترمب بفلوريدا.
ازداد تأثير الرؤساء التنفيذيين وموظفي شركات النفط على حملة ترمب مع تضاؤل قاعدة التمويل لديه. وأصبحت صناعة النفط الآن رابع أكبر مصدر لتمويله، متقدمة بستة مراكز مقارنة بدورة انتخابات 2020، وفقاً لبيانات الحملة التي حللتها “أوبن سيكريتس” (OpenSecrets).
الروابط بين صناعة النفط والحزب الجمهوري
تعكس هذه الديناميكية الروابط المتزايدة بين صناعة النفط والحزب الجمهوري وترمب كقائد للحملة. فعلى الرغم من أن قادة قطاع الطاقة لطالما اعتمدوا على حلفائهم الجمهوريين في واشنطن لدعم أولوياتهم السياسية، إلا أن هذا الاعتماد ازداد مع تراجع عدد الديمقراطيين المؤيدين لقطاع النفط في مجلسي النواب والشيوخ.
وصف تايسون سلوكوم، مدير برنامج الطاقة في مجموعة المراقبة “بابلك سيتيزن” (Public Citizen)، كبار رجال النفط بأنهم “أشبه بمنجم لا ينضب من الأموال” لدعم ترمب، مشيراً إلى أن “شركات النفط غنية بالأموال، ولديها شبكة متنامية من جماعات الضغط والنفوذ في واشنطن”.
وعد ترمب بتسهيل عمليات التنقيب بشكل أكبر وشطب القيود التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن على السيارات ومحطات الطاقة. كما تعهد بإلغاء قرار بايدن بوقف منح التراخيص الجديدة لتصدير الغاز الطبيعي.
قالت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحفية الوطنية لحملة ترمب: “كامالا هاريس تخضع لتأثير المدافعين عن البيئة الذين يحاولون تنفيذ أجندة الطاقة الأكثر تطرفاً في التاريخ، وإجبار الأميركيين على شراء سيارات كهربائية لا يستطيعون تحمل تكلفتها”. وأضافت: “الرئيس ترمب يحظى بدعم من يشاركونه رؤيته حول هيمنة الطاقة الأميركية لحماية الأمن القومي وخفض تكاليف المعيشة للجميع”.
في بداية الحملة، كان بعض رجال النفط البارزين مثل هام وهيلدبراند متحفظين تجاه محاولة ترمب للفوز بولاية ثانية. حيث قدم هام دعماً لمنافسين جمهوريين مثل نيكي هايلي ورون ديسانتيس، بينما تبرع هيلدبراند وزوجته ميليندا لخمسة مرشحين جمهوريين آخرين على الأقل.
وحدة الصف خلف ترمب
لكن مع تقلص عدد المرشحين الجمهوريين، وقف المتبرعون خلف ترمب صفاً واحداً، بما في ذلك بريان شيفيلد، مؤسس “بارسلي إنرجي” (Parsley Energy)، الذي قدم 844600 دولار للجنة العمل السياسي “ترمب 47” في مايو.
قال شيفيلد في مقابلة: “ترمب داعم للطاقة وللأعمال”، و”لكنني لا أعتقد أننا كنا ضمن أولوياته من قبل”. مع ذلك، أضاف شيفيلد، أن ترمب أفضل بكثير لقطاع النفط من نائبة الرئيس هاريس.
جهود ترمب لجذب القطاع النفطي لفتت الانتباه في الكونغرس، حيث ركز الديمقراطيون على اجتماع عُقد في أبريل مع الرؤساء التنفيذيين في فلوريدا. وخلال الجلسة، سخر ترمب من طاقة الرياح، وتعهد بإلغاء بعض التشريعات البيئية، وطلب من المجموعة جمع مليار دولار، وهو مبلغ ضخم بالنسبة لأي مجموعة من المتبرعين، وفقاً لمطلعين على المناقشات.
قدمت شركات النفط والغاز الطبيعي نسبة محدودة فقط من هذا المبلغ الكبير، حيث تبرعت بـ22.4 مليون دولار فقط لحملة ترمب، والحزب الجمهوري، ولجنة العمل السياسي المتحالفة معه، وفقاً لبيانات “أوبن سيكريتس”. جاء معظم هذا المبلغ من عدد قليل من المتبرعين الكبار الذين كتبوا شيكات ضخمة. لم يتم جمع سوى 6% من إجمالي المبلغ بواسطة الحملة، التي يمكنها قبول تبرعات تصل إلى 3300 دولار لكل انتخابات من الفرد، بينما ذهب 57% إلى لجان العمل السياسي الخاصة (Super PACs)، التي يمكنها قبول تبرعات غير محدودة.
وفي حين يُتوقع أن تكمل هاريس سياسات بايدن التي تشجع التحول بعيداً عن الوقود الأحفوري، كان ترمب حليفاً ثابتاً لصناعة النفط.
حرب أسعار النفط
ظهر دعم ترمب لصناعة النفط بشكل واضح في ربيع 2020، عندما تسببت حرب أسعار النفط بين روسيا والسعودية، جنباً إلى جنب مع انهيار الطلب بسبب جائحة كورونا، في أسوأ انهيار لسوق النفط في التاريخ. فبعد سنوات من حث منظمة “أوبك” على ضخ المزيد من النفط، تحول ترمب لقيادة جهد غير مسبوق لرفع أسعار الوقود، مطالباً كبار المنتجين في العالم بخفض الإنتاج.
اجتمع قادة صناعة النفط في البيت الأبيض في أبريل 2020 لعرض مخاوفهم.
هام، الذي عمل كمستشار غير رسمي للطاقة لترمب، أشاد بجهود المرشح الجمهوري في الحفاظ على “صداقته” مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وقال هام لترمب: “أعلم أن هذه العلاقات لم تكن سهلة في بعض الأحيان، لكنها ضرورية الآن”.
جلس حول الطاولة كبار رجال النفط، بمن فيهم هام وارن وهيلدبراند، وعانى هؤلاء الرجال من تراجع ثرواتهم الشخصية بشكل كبير في حقبة انهيار أسعار النفط. فبعد ظهور أولى علامات التوتر بين روسيا و”أوبك” قبل أربعة أسابيع من المواجهة، انخفضت ثروة هيلدبراند بنسبة 90%، وفقاً لمؤشر “بلومبرغ” للمليارديرات. كما تقلصت ثروة هام إلى النصف لتصل إلى 3 مليارات دولار، بينما انخفضت ثروة وارن بنسبة 38%.
وداخل البيت الأبيض، وعد ترمب الرؤساء التنفيذيين بأنه سيكشف المزيد عن محادثاته مع بوتين وبن سلمان بعد مغادرة الصحفيين الغرفة. وقال: “تحدثت مع كليهما، وسنخبركم بذلك قريباً”.
التوسط في اتفاق “أوبك+”
في غضون أيام، نجح ترمب في التوسط للتوصل إلى اتفاق مع تحالف “أوبك+” لخفض الإنتاج بما لا يقل عن 10 ملايين برميل يومياً، ما شكّل خفضاً بنسبة 10% من الإمدادات العالمية.
على الرغم من أن الاتفاق لم يكن كافياً لمنع الانهيار التاريخي للأسعار في وقت لاحق من ذلك الشهر، عندما هوت أسعار النفط الأميركية إلى نحو 40 دولاراً للبرميل، إلا أنه ساهم على المدى الطويل في تقليص الإمدادات حتى أبريل 2022. ومع تعافي الطلب على الوقود عقب مرور أسوأ فترات الجائحة، ارتفعت أسعار البنزين في الولايات المتحدة خلال صيف 2022، مما شكّل عبئاً سياسياً على بايدن.
بعض قادة النفط الذين اجتمعوا مع ترمب في أبريل 2020 أصبحوا الآن من أكبر داعميه، حيث قدم وارن وزوجته 5.8 مليون دولار لحملة ترمب، والحزب الجمهوري، ولجان العمل السياسي المتحالفة معه خلال هذه الدورة، وفقاً لبيانات “بلومبرغ”. في عام 2020، تبرع كبار الصناعة في نهاية المطاف بأكثر من ضعف هذا المبلغ، وبلغ إجمالي تبرعاتهم 12.2 مليون دولار.
دعمت عائلة هيلدبراندز ترمب بما لا يقل عن 1.4 مليون دولار منذ حملته عام 2016، بما في ذلك 81600 دولار في الحملة الحالية، رغم أن تبرعاتهم الأخيرة للجنة العمل السياسي “ترمب 47” لم يجر الكشف عنها بعد.
وقدم هام ما لا يقل عن 1.7 مليون دولار إجمالاً، بما في ذلك 968 ألف دولار هذا العام، بينما قدمت شركته “كونتيننتال ريسورسز” مليون دولار إضافي لـ”ماغا إنك” (.MAGA Inc).
رفض ممثل عن هام التعليق على هذه القصة، كما لم يرد كل من عائلتي هيلدبراندز ووارنز على استفسارات الصحفيين.
تمويلات مهمة أكثر من أي وقت مضى
أصبحت التمويلات الضخمة من المتبرعين في قطاع النفط مهمة لترمب الآن أكثر من أي وقت مضى، حيث تجاوز انفاق ترمب ما جمعه في أغسطس بنحو 32 مليون دولار. وفي سبتمبر، أنفقت حملته 72 مليون دولار فقط على الإعلانات المدفوعة، وهو ما يقل عن نصف المبلغ الذي أنفقته حملة هاريس والبالغ 192 مليون دولار، وفقاً لبيانات “آدإمباكت” (AdImpact). في غضون ذلك، ساهمت لجان العمل السياسي المتحالفة مع ترمب، الممولة من المتبرعين الأثرياء، في تعويض بعض النقص، حيث أنفقت 21 مليون دولار إضافية على الإعلانات مقارنة بحملته.
لا يزال ترمب يفاخر بالتدخل الذي قاده في “أوبك+” عام 2020. وقال في خطاب أمام المواطنين في آيوا العام الماضي: “هل تتذكرون تلك الفترة عندما كنتم تحصلون تقريباً على البنزين مجاناً؟ كان علينا التواصل مع “أوبك” وروسيا، وبالطبع السعودية. قلنا لهم: نحتاج إلى رفع الأسعار. ولكننا أنقذنا كل تلك الشركات”.
على الجانب الآخر، رسم الديمقراطيون في الكونغرس صورة مختلفة، حيث قال النائب راؤول غريجالفا، زعيم الديمقراطيين في لجنة الموارد الطبيعية بمجلس النواب: “كان ترمب يبرم صفقاته الخاصة مع روسيا والسعودية لمنع أسعار النفط الأميركية من الانهيار”، مضيفاً: “هل كان يعمل لصالح الشعب الأميركي أو لصالح كبار المتبرعين من شركات النفط، لا أعتقد أننا بحاجة لطرح هذا السؤال في هذه المرحلة”.