فتحي السايح
أشار البنك الدولي في أحدث إصداراته نصف السنوية عن أحدث المستجدات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعنوان “النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” إلى استمرار ضعف معدلات النمو نظراً لحالة عدم اليقين وضبابية المشهد بسبب الصراع الدائر في المنطقة.
وتشير التنبؤات الواردة في التقرير إلى ارتفاع نمو إجمالي الناتج المحلي الكلي للمنطقة بصورة طفيفة إلى 2.2% في عام 2024 بالقيمة الحقيقية، من 1.8% في عام 2023، وهو ارتفاع تقوده دول مجلس التعاون الخليجي، حيث من المتوقع أن يرتفع معدل النمو من 0.5% في عام 2023 إلى 1.9% في عام 2024. وفي بقية المنطقة، من المتوقع أن يتباطأ النمو. كما من المتوقع أن يتباطأ النمو في البلدان المستوردة للنفط من 3.2% في عام 2023 إلى 2.1% في عام 2024، وأن يتراجع في البلدان المصدرة للنفط من خارج مجلس التعاون الخليجي من 3.2% إلى 2.7%.
ويستخدم التقرير مقياسا مبتكراً – وهو التباين في وجهات النظر بين جهات التنبؤ في القطاع الخاص – لقياس مستويات عدم اليقين. وبهذا المقياس، فإن حالة عدم اليقين الاقتصادي في المنطقة تبلغ حاليا ضعف المتوسط في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية الأخرى على مستوى العالم.
ولقد تسبب الصراع الدائر في الشرق الأوسط بالفعل في خسائر بشرية واقتصادية فادحة، فالأراضي الفلسطينية على شفا الانهيار الاقتصادي، إذ تشهد أكبر انكماش على الإطلاق، بل وانكمش اقتصاد قطاع غزة بنسبة 86% في النصف الأول من عام 2024، وتواجه الضفة الغربية أزمة مالية عامة غير مسبوقة تطال القطاع الخاص أيضاً. وفي لبنان الذي يعاني من وطأة هذا الصراع، لا تزال الآفاق تشوبها درجة كبيرة من عدم اليقين والضبابية وسيحدد مسار الصراع شكلها. وفي الوقت نفسه، تأثرت بلدان مجاورة أخرى مثل الأردن ومصر بتراجع عائدات السياحة وإيرادات المالية العامة.
ويلقي هذا الصراع بظلال كئيبة على مسارات التنمية في البلدان. وتشير التقديرات الواردة في التقرير أنه لو لم يوجد الصراع، لكان من الممكن أن يكون متوسط نصيب الفرد من الدخل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أعلى بنسبة 45% في المتوسط بعد 7 سنوات من نشوبه، وتعادل هذه الخسارة متوسط التقدم الذي أحرزته المنطقة على مدى الخمسة والثلاثين عاماً الماضية.
وتعليقا على ذلك، صرح أوسمان ديون، نائب رئيس البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “السلام والاستقرار هما أساس التنمية المستدامة، ومجموعة البنك الدولي ملتزمة بمواصلة العمل في المناطق المتضررة من الصراع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبناء مستقبل يليق بجميع شعوب المنطقة.”
ويتناول التقرير أيضاً الفرص الرئيسية التي يمكن للبلدان من خلالها تسريع النهوض بالنمو الشامل للجميع من خلال تسريع وتيرة الإصلاحات. ويشمل ذلك إعادة التوازن في دور القطاعين العام والخاص، وتحسين توزيع المواهب في سوق العمل، وسد الفجوة بين الجنسين في التشغيل، وتشجيع الابتكار.
وعلى الرغم من المكاسب الكبيرة التي تحققت في مستويات التعليم على مدى الخمسين عاماً الماضية، فإن معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة في المنطقة يبلغ 19%، وهو الأدنى على مستوى العالم. ومن شأن سد فجوات التشغيل بين الجنسين في المنطقة أن يؤدي إلى زيادة ملحوظة بنسبة 50% في نصيب الفرد من الدخل في المتوسط في بلدانها. كما يشير التقرير إلى ضرورة شمول المرأة كي تزدهر الاقتصادات.
وفي سياق متصل، صرحت روبرتا غاتي، رئيسة الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي “من شأن إحداث تحول في دور الدولة أن يؤدي إلى تحقيق زيادات كبيرة في الإنتاجية، فعلى سبيل المثال، المنطقة بها أكبر نسبة من الموظفين في القطاع العام على مستوى العالم، وخاصة من النساء، ومما يؤسف له أن كبر حجم القطاع العام في المنطقة لا يتوافق بالضرورة مع تحسُّن سلع وخدمات النفع العام، كما أن جذب المواهب نحو القطاع الخاص يمكن أن يحسن تخصيصها، فضلاً عن تحقيق زيادات إجمالية في الإنتاجية تصل إلى 45%.
ويمكن أن تساعد الاستفادة من مبتكرات التكنولوجيا والمعارف العالمية في تعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة، أما زيادة التجارة الدولية، والاستفادة من الموقع الجغرافي الإستراتيجي للمنطقة، فيعملان على تسهيل جلب التكنولوجيا والأفكار وتحقيق الابتكار. وتحسين جودة البيانات وشفافيتها أداة رئيسية أخرى لتسهيل نشر الأفكار، علماً بأن ذلك لا يزال أقل من مستوى المعايير العالمية.