في دراسة نقدية جديدة أكدت الناقدة الأدبية جهاد هزاع للإصدار الجديد للدكتور محمد السيد اسماعيل الذي جاء تحت عنوان، «الخروج من الظل».. قراءه فى القصة النسائية القصيرة فى مصر.
وأكدت جهاد هزاع إن كل دراسة نقدية جديدة لإبداع أدبى رصين تعد بعثاً جديداً لهذا الإبداع، فالنقد تجربة مضفرة من الذوق والفكر منطلقة من العقل والعاطفة فى سبيل التأثير والإقناع، ومن ثم ابتدأ الكاتب تمهيده بالهدف من هذه الدراسة حيث أرجعها إلى مقاربة (القصة النسائية القصيرة فى مصر) خلال عقودها الأخيرة وتطورها، وأن ذلك لا يعنى تخصيص اعترافا بانفصالها عن الحركة الأدبية العامة فإن اعترافا كهذا سوف يكرس دون أ ن نقصد الادعاء باختلاف المرأة عن الرجل تلك النظرة الرجعية التى لا ترى فى المرأة أكثر من تا بعة للآخر.
ولكنه محاولة جادة لتصحيح مكانة المرأة فى بعض المجتمعات التى تطوقها موروثات تقيد المرأة ، فهى دعوة لانطلاقة فكرية عصرية تواكب المجتمع ومجريات الأمور بأن المرأة كائن أساسى لنصب خيمة المجتمع الذى لا يستقيم بدونها فهى أ حد ركائزه مع الأخذ فى الاعتبارتباين مستويات التعليم والوعى والوضع الاجتماعى والخبرات النفسية السابقة والتجارب المكتسبة لكل كاتبة تبنت وجهة نظر ما فى قصتها القصيرة المرفودة بالتجارب والممارسات التى صقلت الخبرة فى حياتها
وأضافت هزاع حينما استطرد الكاتب فى دراسة(صوت الانثى_دراسات فى الكتابة النسوية العربية) لنازك الأعرجى أكدت أن إطلاق صفة ( أنثوى)على الأدب الذى تكتبه المرأة جاء نتيجة استعارة النقاد للقالب الأخلاقى الموضوع للمرأة فى المجتمع .
ثم أضاف الكاتب رأيا ً آخر فى تمايز الكتابة النسائية حيث أكدت الأستاذة (رشيدة بن مسعود) أن الكتابة النسائية تتميز بحضور مرتفع نسبي لدور المرسل وهذا يعنى أن الوظيفة التعبيرية حاضرة كشكل ذى دلالة أكبر
ولكن أخطر ما فى هذا الرأى أنه يكرس لما يشاع عن المرأة من حب الإفضاء عن الذات والدوران حول النفس .
من وجهة نظرى المتواضعة أن هذا ما هو إلا إ بداع ملموس فالخوض فى أغوار النفس البشرية فى حد ذاته هو من أعظم ما تنتجه التجربة الأدبية سواء قصة ,أو رواية أو شعر ، فإنه فى حد ذاته جرأة ومواجهة تستحقان التقدير والامتنان .
وقالت هزاع لهذا الجنس الأدبى تميز ملحوظ من جيل لآخر فيمكن القول إ ننا أمام ثلاث حساسيات:
اهتمت الحساسية الأولى/ بالقضايا الكبرى على المستوى الوطنى والسياسى ,والإجتماعى.
والحساسية الثانية / بتداخل العام والخاص وأصبحت ذات الكاتبات أكثر حضورا .
أما الحساسية الثالثة / فقد اهتمت اهتمامًا بالغًا بالذات التى لم تعد محورًا فحسب بل هما وحيد اً .
ثم وضح أنماط الشخصية السردية بناء على معايير مختلفة يمكن تسمية المعيار الأول الأخلاقى :الذى انقسمت الشخصية على أساسه إلى شخصية خيرة وشخصية شريرة .
المعيار الثانى : يمكن تسميته بالمعيار الوظيفى الذى يحدد حجم الدور الذى تؤديه الشخصية والذى انقسمت بناء عليه إلى شخصية رئيسية وشخصية ثانوية ثم المعيار الثالث وقد
انقسمت الشخصية بناء عليه إلى شخصية نامية متطورة ,وشخصية ثابتة مسطحة .
ثم أوضح الكاتب أربعة نماذج للشخصيات تدور حولهم الكتابة النسائية وهى
:نماذج الشخصية السلطوية , ونماذج الشخصية المقهورة ,ونماذج الشخصية المتمردة
,ونماذج الشخصية المغتربة .
النموذج السلطوى؛ حيث لم تتعامل الكاتبات مع الشخصية السلطوية فى بعدها السياسى حيث إشتملت السلطة على أبعاد إج تماعية ,ورأسمالية ,و أيدولوجية ومؤسساتية
مستشهدا بقصة ]صفصافة والجنرال [ لرضوى عاشور الذى فيها يتضح البعد السياسى للشخصية السلطوي ممثلة فى شخصية الجنرال الحاكم العسكرى الذى يصنع مقابلة مع شخصية صفصافة وتدور التيمة الأساسية للقصة حول رغبة الجنرال فى الزواج من صفصافة لكنها تحب شخص آخر يدعى يوسف ؛ وهنا يكمن القهر لشخصية صفصافة والسلطة لشخصية الجنرال
نستخلص وجهة نظر الكاتب مما سبق نقده للعديد من القصص
النسائية أ ن القصة النسائية القصيرة فى أجيالها قد استطاعت تقديم مقاربات فنية متنوعة من نماذج الشخصية السلطوية فى معظم أبعادها حيث مثلت قصتا ] رضوى عاشور وبهيجة حسين [بعدها السياسى ومثلت قصة ] اعتدال عثمان [ بعدها الإجتماعى ومثلت قصة ]إبتهال سالم [ بعدها الرأسمالى ومثلت قصة ]عفاف السيد [بعدها الدينى, والأيديولوجى ومثلت قصة ]منال محمد السيد [ بعدها الأبوى الذكورى تصويرا لبنية مجتمعية متسمة بالهيمنة الذكورية
ونظرا لضرورة التمعن واستنتاج أنه يلى الشخصية السلطوية العديد من الشخصيات ذات طابع نفسي متباين نجد من تلك الشخصيات الشخصية المقهورة حينما أكد الكاتب أن من البداهة لايوجد شخصية سلطوية داخل الققصص لا تمارس سلطتها إلا على شخصية مقهورة مقيدة بأغلال السلطة الدامية
استشهاداً بقصة(ضلع أعوج) للكاتبة نعمات البحيرى حينما دللت على القهر الذى مورس على الساردة من قبل السلطة الذكورية ممثلة فى الأب و الأخوة ثم يتحقق مستوى الدائرة الدلالية الثانى ممثلا فى محاولات الساردة الخروج عن هذا القهر وترسيخا ً لقيمة القهر تقوم القصة فى بعض موضعها بتوظيف بعض الآيات القر آنية على لسان شقيق الساردة تويظفا ً خاطئ من خلال وضعها فى سياقات تبرر القهر الأنثوى وتجعله كما لوكان أمرا ً إلهيا ً وذلك حين يقرر الأخ قوله تعالى )وللذكر مثل حظ الانثيين( مسوغاً من هذه الآيه الكريمة هيمنته على الشاردة ومن البداهة أن نؤكد شذوذ ذلك (التأويل)
وإنحرافه على دلاله الآية التى تنأى نأيا شاسعا عما يرمى إ ليه شقيق الساردة من أهداف.
وهنا يسلط الكاتب ولوبشكل باطنى معنى ذات مغذى على الطائفة التى تجتزئ من كتاب الله الحكيم بعض الآيات اللاتى يوظفهن لمصالحهم الشخصية ونفوسهم المريضة متخفيين تحت ستار الدين ولائحة الشريعة الاسلامية التى فى أصلها بريئة منهم براءة الذئب من دم من يعقوب فلا يوجد دين على وجه البسيطة منذ البدء الى الأزل كرم المرأة مثلما كرمها الدين الإسلامي مثلا قول رسوله }رفقا بالقوارير{ و}استوصوا بالنساء خير اً{ وتشريف الأنثى بنزول سورة كاملة باسمها سورة النساء وهذا ما تشير إليه بعض الروايات
والقصص القصيرة فى الحراك الأدبى النسائى لذوى العقول الواعية والطابع الإنساني أن الأصل فى القوامة التكليف وليس التشريف .
وهنا أوضح الكاتب مثالا ً آخر لنموذج الشخصية المقهورة فى قصة (أشياء يومية) لهناء عطية تعتمد بوضوح على توظيف بنية المكان للدلالة على نفس التيمة (تيمة القهر)حيث تدور أحداث القصة حول ثلاث شخصيات يتواجدوا داخل حجرة واحدة وهما (الزوج والزوجة والطفلة) مما يزيد الإحساس بالقهر والضيق والخضوع حينما قالت الكاتبة تبدوا الحجرة إذن أ قرب ما تكون إلى السجن
ثم يستدرجنا الكاتب إلى قصة أخرى للمؤلفة أمال كمال فى المشاهد الأولى من قصتها (الحجرات المغلقة) التى اعتمدت على ما يسمى بالتصوير الأليجورى الذى يقوم على تقديم أحداث سردية غير مقصودة لذاتها بل لدلالات أخرى .
ثم يستطرد الكاتب حديثه مشير اً ً إ لى نماذج الشخصية المتمردة قائلا أن نموذج الشخصية المقهورة يرتبط إرتباطا ً شرطيا ً بوجود الشخصية السلطوية ويبرز الكاتب جانب آخر ينتج عنها وهى الشخصية المتمردة وذلك إذا توافر الوعى الضرورى والرؤية
وذلك الاستنتاج الذى أشار إليه الكاتب له معنى عميق فى دراسة الأغوارللنفس البشرية حيث له دلالات واضحة فى دراسة علم النفس فإن السلطة قد ينتج عنها إما قهر؛ أو تمرد وهنا يستشهد الكاتب بمجموعة نصوص قصصية كعينة لنماذج الشخصية المتمردة حينما سلط الضوء على قصة ]رأيت النخل[ لرضوى عاشور حيث تدور أحداث القصة حول شخصية فوزية التى تتمرد على فكرة تصنيف العمل من حيث نساء ورجال حيث إنها نظرة لا ترى فالمرأة سوى كائن ضعيف فى البنية والنفس .
ولكن هالة البدرى فى قصتها ]مرآه[ تتمرد على وضعية أسرية خاطئة لإنها تقوم على العطاء من جانب واحد وهو الزوجة دون مقابل معنوى ومن هذه الثنايا يبدأ تمرد المرأة على هذا الخطأ الجسيم مستشهد اً بفقرة على أن هنالك ما يستحق أن أقتلع سنوات
عمرى لأصفها أحجار اً لأساس أ علم أ ن نزوة ريح قادمة لا ريب لكى تدحرج ك لاً منها فى إتجاه
ومن ثم يقحمنا الكاتب فى دراسة نموذج آخر للشخصية وهو نموذج الشخصية المغتربة الذى قد ينتج عن الشخصية المتسلطة فان الإغتراب له دلالة على واقع سياسى, واجتماعى ,ونفسى عن تلك القطيعة التى تنشأ بين المواطن وجماعته ؛أو بين الإنسان وتاريخه وتعميما لهذا المفهوم يمكن القول إ ن الاغتراب هو القطيعة التى تنشأ على المستوى النفسى بين الإنسان ورغباته وعلى المستوى الإجتماعى .
الخروج عن الظل ليس قراءة فى الأدب النسائى وحسب
بل إنه رحلة فى أعماق النفس النسائية البشرية لفهم معاناة وتمرد المرأة عبر الأجيال لمناقشة العديد من القضايا المختلفىة التى تتعرض لها المرأة .
وقد أبدع الكاتب فى تقديم قرائته النقدية المستنيرة التى لم تقتصر على النصوص الأدبية فحسب بل تطرقت إلى السياقات الإجتماعية, والثقافية التى تؤثر على هذه الكاتبات فإنه فهماً عميقاً لهوية المرأة وأيدلوجيتها حيث أن دور الأدب النسائى عبر الأجيال ما هو إلامحاولة إضاءة فى تكوين الوعى المجتمع.