8 ديسمبر، 2025
مقالات

الدكتور برهان الدين محمد يكتب: العالم يعترف بدولة فلسطين

لمن يشككون في الاعترافات الدولية بدولة ⁧‫فلسطين‬⁩ ليست حدثًا عابرًا بل مكسبًا استراتيجيًا، الخطوة ليست كما يزعم البعض مجرد مسألة إعلامية عابرة، بل هي مكسب استراتيجي على مستويات متعددة.

فالاعترافات بدولة فلسطين سيما حين تأتي من ⁧‫بريطانيا‬⁩ وهي صاحبة وعد بلفور الذي منح الكيان الإسرائيلي شرعية الاحتلال، ومن ⁧‫فرنسا‬⁩ التي منحت الكيان السلاح النووي، تحمل دلالات تاريخية وسياسية بالغة العمق.

‏لقد احتل الكيان الإسرائيلي فلسطين بورقة وعد ⁧‫بلفور‬⁩، فكيف لا تكون للخطوة البريطانية اليوم أهمية استراتيجية كبرى تعيد تصحيح المعادلة وتبيّن أن صاحبة الجلالة قررت التكفير عن خطيئتها؟ وكيف لا يكون ذلك مكسبًا وقد يرفع مستوى التمثيل الدبلوماسي الفلسطيني من قنصلي إلى سفارة، ويمهّد لعضوية كاملة لدولة فلسطين في المنظمات الدولية؟

‏وكيف لا يكون مكسبًا وهو يسهم يومًا بعد يوم في زيادة عزلة الكيان الإسرائيلي على الساحة الدولية، ويذكي الصراع داخل بنيته وأجنحته السياسية والفكرية المختلفة، ويعيد توصيف الصراع باعتباره صراعًا بين احتلال وشعب يناضل من أجل نيل حقه في تقرير المصير وفق ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي؟ وكيف لا يكون مكسبًا وهو يوجّه رسالة واضحة للعالم بأن الكيان الإسرائيلي لم يعد الضحية كما كان يدّعي ويروّج، بل هو الجلاد، وأن المقاومة الفلسطينية ليست إرهابًا بل حركة تحرر وطني مشروعة؟

‏ثم كيف لا يكون مكسبًا لفلسطين، وهي الدولة التي لم يُسمح لرئيسها حتى بالحضور إلى قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة إلا عبر الفيديو؟

‏إنّ اعتراف أي من القوى العظمى ــ وغيرها ــ بدولة فلسطين ليس مسألة عادية، بل تحوّل استراتيجي يُعيد تصحيح جزء من المعادلة التاريخية المختلّة، ويجدد ثقة الشعب الفلسطيني ــ شعبًا وسلطةً ومقاومة ــ بنفسه وبمشروعية وعدالة قضيته، ويمنحه أوراق قوة جديدة في معركته المصيرية من أجل الحرية والاستقلال.

كما يوجّه رسالة إلى الدول التي لم تجرؤ بعد على إسناد شعب فلسطين: اطمئنوا، فالقضية الفلسطينية مشروعة، ودعمها واجب وصحيح، ولو لم تكن كذلك لما اعترفت بها هذه الدول، وغيرها في الطريق إلى الاعتراف بدولة فلسطين.
إنَّ اعتراف بريطانيا، بصفتها دولةً عظمى دائمة العضوية في مجلس الأمن وقائدةً لمنظمة الكومنولث والمنظومة الأنجلوساكسونية، إلى جانب اعتراف فرنسا، بصفتها دولةً عظمى دائمة العضوية أيضًا وقائدةً للمنظمة الفرنكفونية، يُمثّل ضربةً موجعة للكيان الإسرائيلي، لاسيما أنه جاء من الدولتين اللتين رسمتا اتفاقية سايكس ـ بيكو، كما يُعد إنجازًا استراتيجيًا مهمًا وخطوةً متقدمة على طريق استكمال مسيرة قيام الدولة الفلسطينية وترسيخ شرعيتها الدولية، فضلًا عن كونه محبطًا لواشنطن وملهِمًا لبقية دول العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *