خلال الحرب العالمية الأولى، كانت الإمبراطورية العثمانية ضمن ما عُرف بدول المحور بقيادة الإمبراطورية الألمانية، في مواجهة ما عُرف بدول الحلفاء بقيادة بريطانيا.
آنذاك، وجدت بريطانيا نفسها مضطرة إلى اختراق صفوف المحور من الداخل، فقررت استمالة شريف مكة الحسين بن علي، ووعدته بأنه إذا أسقط الحكم العثماني فسوف يُتوَّج ملكًا على العرب.
وبالفعل، أشعل الشريف حسين الثورة من مكة عام 1916، وقاد ولداه عبدالله وفيصل معارك ضارية ضد العثمانيين، وكان ذلك من أبرز العوامل التي ساعدت على تقدم الحلفاء في المشرق العربي.
غير أنّه، وبينما كان ينتظر الوفاء بالوعد ويترقب يوم التنصيب، فوجئ بانكشاف اتفاقية سايكس–بيكو التي كانت بريطانيا وفرنسا قد عقدتاها سرًا لتقسيم ما عُرف بتركة الرجل المريض (الدولة العثمانية)، إلى درجة لم يتبقَّ للشريف موقع، لا ملك للعرب، ولا حتى أمير للحجاز.
واليوم، تبدو أمامنا ترتيبات وخطط أميركية تحت يافطات السلام الاقتصادي تتعلق بغزة والمنطقة، وتُرفق بوعود مختلفة تُوزَّع لقادة هنا وهناك داخل المنطقة في سبيل تسليم غزة للمخطط الصهيو–أميركي.
جاء رد حماس على مقترح الرئيس ترامب ليكشف عن مزيج من البراغماتية تحت الضغط والرغبة في وقف الحرب بأي ثمن، مع محاولة الحفاظ على ثوابت الحركة.
فقبولها إطلاق جميع الأسرى وتفويض إدارة غزة لهيئة تكنوقراط مستقلة يمثل تنازلًا جوهريًا يعكس إدراكها للمعطيات العسكرية الجديدة، لكنه مشروط بوقف العدوان والانسحاب الكامل.
في الوقت نفسه، ربطت مصير القضايا الكبرى بموقف وطني جامع، لتفادي اتهامها بالتفريط.
يبدو أنها نجحت إلى حد كبير في نقل عبء الرفض إلى الكيان الإسرائيلي، لكنها قد تواجه مخاطر داخلية من اتهامات بالتنازل، وتحديات مستقبلية حول موقعها في المشهد الفلسطيني بعد تسليم القطاع.
حماس ليست في موقع تفاوضي مريح، بل في موقع دفاع وجودي.
فالتنازل عن إدارة القطاع مقابل ضمان وقف العدوان يعكس إدراكها لواقع ميداني جديد.
الرد إذن، بقدر ما فيه من وضوح لبعض النقاط التي كان من الضروري توضيحها، يحمل في طياته الكثير من الغموض الذي تجنبت إثارة تفاصيل مصيرية، كأنه رفض غير مباشر، لكنه احتوى على مناورات سياسية متعمدة توازن بين البقاء، والتخفيف من الكارثة الإنسانية، وحماية صورة المقاومة.
إذ تجنبت حماس الإشارة إلى مصير سلاحها أو موقعها السياسي لاحقا بالضبط لأنها تدرك حساسية هاتين النقطتين بالنسبة للكيان الإسرائيلي، بما يحافظ على مساحة مناورة مستقبلية، ويجنبها خسارة دعم قواعدها الداخلية.
حفظ الله غزة وأهلها..

