تدخل أسواق النفط العالمية مرحلة حساسة جديدة في ظل تصاعد الاضطرابات الجيوسياسية التي تمس كبار المنتجين، وفي مقدمتهم فنزويلا وروسيا، وذلك في وقت يواصل فيه تحالف أوبك+ تطبيق خطته التي أقرت في مارس 2025 لرفع الإنتاج تدريجيا بعد التخفيضات الطوعية التي بلغت نحو 2.2 مليون برميل يوميا.
وتتقاطع هذه التطورات مع حالة عدم اليقين التي تسيطر على الطلب العالمي وتعقيدات المشهد الاقتصادي، ما يجعل سياسات الإنتاج أكثر تعقيدا من أي وقت مضى.
أعلن تحالف أوبك+ في 3 مارس 2025 خطة لإعادة رفع الإنتاج تدريجيا اعتبارا من أبريل، وذلك بحسب ما نقلته وكالة رويترز. ونصت الخطة على تنفيذ زيادات تراكمية تبلغ نحو 411 ألف برميل يوميا خلال الفترة من أبريل حتى يوليو، وهي زيادات هدفت إلى موازنة أسواق النفط بعد شهور من التخفيضات العميقة التي اعتمدها التحالف لمواجهة تقلبات ما بعد الجائحة. وفي أغسطس 2025، نقلت مصادر اقتصادية من شبكة سي إن إن الاقتصادية ووكالة انترفكس إعلان أوبك+ عن دفعة جديدة من الزيادات تقارب 548 ألف برميل يوميا بدءا من سبتمبر، مع تأكيد رسمي بأن مجمل الزيادات سيبقى قابلا للمراجعة وفقا لأوضاع السوق.
تأتي هذه الخطوات في وقت تشهد فيه فنزويلا ضغوطا سياسية واقتصادية متزايدة، تفاقمت مؤخرا مع ورود تقارير عن تعرض الرئيس نيكولاس مادورو لتهديدات مباشرة، الأمر الذي أعاد تسليط الضوء على هشاشة الوضع الداخلي وحساسيته بالنسبة لقطاع النفط.
ويثير هذا التصعيد مخاوف إضافية بشأن قدرة البلاد على الحفاظ على استقرار عمليات الإنتاج، خصوصا في ظل اعتماد الصناعة النفطية على كفاءة مؤسسات الدولة وشركة PDVSA في تنفيذ برامج الصيانة وضمان استمرارية تدفق الخام. وتشير الدروس المستفادة من التجارب السابقة في دول شهدت ظروفا مماثلة إلى أن أي توتر سياسي جديد قد يؤدي إلى عرقلة خطط زيادة الإنتاج أو تأخير عودة الطاقة الإنتاجية المفقودة، مما يضيف عنصرا إضافيا من عدم اليقين إلى معادلة المعروض العالمي في مرحلة دقيقة يواجه فيها تحالف أوبك+ تحديات متشابكة للحفاظ على توازن السوق.
وفي موازاة ذلك، تتعرض روسيا منذ 2022 لسلسلة عقوبات غربية حدت من قدرتها على تصدير النفط والغاز، واجبرتها على تقديم خصومات كبيرة وإعادة توجيه صادراتها نحو أسواق آسيوية، بحسب تقارير متتالية من مؤسسات طاقة دولية. ويشكل استمرار هذه العقوبات عاملا رئيسيا في تقلبات المعروض العالمي، خصوصا مع تقليص تدفقات الخام الروسي إلى أوروبا وتذبذب مستويات الطلب في آسيا.
وتبرز تجربة العقوبات المفروضة على إيران خلال العقد الماضي كمرجعية مهمة في فهم طريقة تعامل أوبك مع الأزمات المشابهة، حيث شهدت تلك الفترة تراجع صادرات إيران بما يقارب مليون برميل يوميا، مما دفع المنظمة حينها إلى اعتماد نظام حصص مرن وزيادة انتاج بعض الدول لتعويض النقص، إضافة إلى تنسيق مكثف مع الدول المستوردة للحفاظ على استقرار الأسعار ومنع انفلاتها. وتؤكد هذه التجربة قدرة أوبك على التعامل مع الاضطرابات، لكنها تكشف أيضآ حساسية أسواق النفط تجاه أي تراجع كبير في المعروض من دولة محورية.
في ظل التطورات الراهنة، تبدو خطة أوبك+ لزيادة الإنتاج أمام اختبار حقيقي. فارتفاع المخاطر الجيوسياسية قد يدفع التحالف إلى إعادة تقييم وتيرة الزيادات أو تعديلها، سواء من خلال تباطؤ تنفيذها إذا أدت التوترات إلى ارتفاع كبير في الأسعار، أو من خلال تسريعها لتعويض أي نقص محتمل من فنزويلا أو روسيا.
وتؤكد البيانات الصادرة عن أوبك+ أن التحالف مستمر في تطبيق سياسة المرونة الديناميكية التي تبناها منذ أزمة كورونا، والتي تقوم على مراجعة الإنتاج بشكل دوري وفقا للمتغيرات السريعة في العرض والطلب.
المشهد الحالي يضع أوبك+ أمام معادلة دقيقة تجمع بين إدارة التوازنات السوقية وضبط المخاطر الجيوسياسية وتلبية احتياجات الدول الأعضاء. ففي الوقت الذي تسعى فيه الدول الصناعية الكبرى للضغط بإتجاه زيادة الإمدادات لتهدئة الأسعار، تحتاج العديد من الدول المنتجة إلى الحفاظ على مستويات سعرية داعمة لاقتصاداتها. كما أن استمرار التحول نحو الطاقة المتجددة يدفع المنظمة إلى الاستثمار أكثر في سياسات إنتاج مستقرة تضمن قدرتها على المنافسة في سوق يتغير بسرعة.
وفي هذا السياق، يمكن القول أن قرار زيادة الإنتاج الذي بدأ تطبيقه منذ أبريل 2025 وأعيد تعزيزه في أغسطس من العام نفسه، يبقى مرهونا بقدرة أوبك+ على قراءة المتغيرات العالمية بدقة. ومع استمرار الضغوط على فنزويلا وتشديد العقوبات على روسيا، تظل أسواق النفط أمام حالة من عدم اليقين التي قد تدفع التحالف إلى إجراءات إضافية لضمان استقرار الإمدادات والسوق.
وبالنظر إلى التجارب السابقة في التعامل مع العقوبات على إيران، تمتلك أوبك الخبرة اللازمة للاستجابة لهذه التحديات، غير أن تعقيدات المرحلة الحالية تجعل عملية إتخاذ القرار أكثر حساسية من أي وقت مضى.

