أصدر مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية (كابسارك) مؤخراً ورقة نقاشية جديدة بعنوان:
“تأثير درجة الحرارة على استهلاك الطاقة والانبعاثات الكربونية في المملكة العربية السعودية”
The Impact of Temperature on Energy Consumption and Carbon Emissions in Saudi Arabia،
وهي دراسة تعالج واحدة من أكثر القضايا إلحاحاً في المنظومة الطاقية للدول ذات المناخ الحار، حيث تسلط الضوء على العلاقة المتنامية بين ارتفاع درجات الحرارة من جهة، والتغيرات في استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون من جهة أخرى، ضمن سياق التحول الوطني نحو الاستدامة.
تؤكد الدراسة أن ارتفاع درجات الحرارة أصبح عاملاً حاكماً يؤثر بشكل مباشر في الطلب على الطاقة داخل المملكة، خصوصاً في القطاعات المرتبطة بالتبريد، وتحلية المياه، والنقل. وقد بيّن التحليل الكمي أن ارتفاعاً قدره 1% في متوسط درجة الحرارة يؤدي إلى زيادة تقارب 8% في استهلاك الطاقة، نتيجة التضخم الكبير في الطلب على التبريد خلال أشهر الصيف، إضافة إلى تأثير الحرارة المرتفعة على كفاءة المعدات الكهربائية والبنية التحتية للطاقة.
وتقدم الورقة نماذج إسقاطية تمتد حتى عام 2030، مستندة إلى السيناريوهات العالمية المعروفة باسم مسارات التنمية الاجتماعية والاقتصادية (SSPs). وقد أوضحت النتائج أن تبني سيناريو منخفض الاحترار (SSP1)، مقارنةً بالمسار المرتفع، يمكن أن يخفض ما يقارب 12 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً بحلول عام 2030، وهو ما يبرز أهمية دمج الاعتبارات المناخية في سياسات الطاقة الوطنية.
كما تتناول الدراسة التحديات التقنية والتشغيلية التي يفرضها المناخ الحار على نظم الطاقة، حيث يبرز الضغط على شبكات الكهرباء خلال ذروة الصيف، وانخفاض كفاءة التوليد والنقل، وارتفاع الأحمال المرتبطة بأنظمة التكييف التي تشغل أكثر من 60% من استهلاك الكهرباء في المباني. وتشير النتائج إلى أن استمرار ارتفاع درجات الحرارة سيضاعف الحاجة إلى التوسع في بنية تحتية أكثر مرونة وقدرة على التحمل.
وفي المقابل، تستعرض الدراسة مجموعة من الفرص الاستراتيجية التي يمكن للمملكة الاستفادة منها في إطار رؤيتها الطموحة للتحول الطاقي. فقد أوصت بالتوسع السريع في مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ودمج الاعتبارات المناخية في تخطيط الطاقة، وتعزيز معايير كفاءة الطاقة للمعدات وأنظمة التبريد، وتبني شبكات ذكية أكثر كفاءة في إدارة الطلب، إلى جانب الاستثمار في بنية تحتية متكيفة مع الحرارة المرتفعة، وتطوير سياسات تسعير مرنة لتخفيف الأحمال القصوى.
وتبرز هذه الدراسة أهمية بناء نظام طاقي resilient قادر على التكيف مع التغيرات المناخية، إلى جانب دور المملكة المتنامي في صياغة حلول مبتكرة تعزز الاستدامة وتحقق التوازن بين أمن الطاقة والنمو الاقتصادي واعتبارات البيئة، مما يجعل نتائج الورقة مرجعاً مهماً لصناع القرار والباحثين على حدّ سواء.


