لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
آفة من آفات هذا الزمان انتشرت في غالبية البيوت والأسر المصرية، ألا وهي: الكذب.
بل إن الناس قد قاموا بتقسيمه إلى كذبة بيضاء وأخرى سوداء، بل إلى ألوان متعددة، يتعلمها الأطفال من أبيهم وأمهم، حين يسأل أحدٌ عن وجود أحد الوالدين في المنزل، فيقال للابن أو الابنة: “قل إنه غير موجود”.
أو حين أتحدث عن أحد أقاربي أو أصدقائي بكلمات مدح وثناء أمامه، وأُظهر كم أحبه وأقدّره، ثم ما إن يخرج من المنزل، حتى أسبّه وأقول عنه عكس ما قلتُ أمام طفلي!
فيفهم الطفل أن هذا هو الصحيح في التعامل بين الناس، وينسى أن الدين هو المعاملة.
لقد ذَكر الله تعالى الكذب في محكم كتابه في نحو مائتي آية، كلها إما على سبيل الذم، أو لبيان سوء عاقبة الكاذب.
والكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف حقيقته عن علمٍ وتعمد، وهو كبيرة من الكبائر تجرّ صاحبها -والعياذ بالله- إلى النار، كما في الحديث المتفق عليه:
“إن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً.”
ويؤدي إلى اللعن والطرد من رحمة الله، قال تعالى:
﴿ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ﴾ [الذاريات: 10]، أي لُعن الكذابون،
وقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ﴾ [غافر: 28].
وهو من خصال أهل النفاق، كما جاء في صحيح مسلم:
“آية المنافق ثلاث، وإن صام وصلّى وزعم أنه مسلم: إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان.”
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“ثلاثةٌ لا يُكلِّمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يُزكِّيهم، ولهم عذاب أليم.”
قالها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، فقال أبو ذر رضي الله عنه: خابوا وخسروا! من هم يا رسول الله؟
قال: “المسبل، والمنّان، والمنفِّق سلعته بالحلف الكاذب.”
وفي حديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال:
يا رسول الله، هل يسرق المؤمن؟ قال: (قد يكون ذلك).
قال: هل يزني المؤمن؟ قال: (بلى، وإن كره أبو الدرداء).
قال: هل يكذب المؤمن؟ قال:
“إنما يفتري الكذب من لا يؤمن. إن العبد يزلّ الزلّة، ثم يرجع إلى ربه فيتوب، فيتوب الله عليه.”
وسألنا شيخنا مرةً في مجلسه:
هل تدرون لماذا يُعد الكذب من أكبر الموبقات في الدنيا؟
فقلنا: ما ذكرته لنا في الأحاديث السابقة وغيرها؟
فقال: إن اسمك، واسم عائلتك التي تنتسب إليها، وأسماء أجدادك التي تذكرها، فتقول: أنا فلان بن فلان بن فلان… إلى آخر تسلسل الأسماء، كل هذا يكون صحيحًا إذا لم تكن واحدة من الجدّات قد كذبت.
فإن كذبت واحدة منهن وزنت، يكون كل ما تقوله عن نسبك غير صحيح!
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ألهذا الحد يصل تأثير الكذب؟
يا منجي من المهالك، نجّنا بحولك وقوتك.
علموا أولادكم الصدق، ولا تعلموهم الكذب، ولا يوجد شيء اسمه “كذبة بيضاء”.
وكما كان يقول الشيخ علي الخواص:
“الصدق منجاة.”
نعم، الصدق يُنجي، حتى وإن لم تظهر نجاته أثناء الحدث.
وقانا الله وإياكم شر الكذب والكذابين، ونجانا الله وإياكم من مهالك الكذب والمنافقين، ورزقنا الله وإياكم صحبة الصادقين.
وصلّى الله وسلّم وبارك على سيدنا محمد، إمام الصادقين والغر المحجّلين، وعلى آله وصحبه أجمعين