قال سيّدِي الإمام الشافعي رضي الله عنه: رِضا الناسِ غايةٌ لا تُدرَك، فعليك بما يُصلِحُك فالزمه، فإنه لا سبيل إلى رضاهم. وهو كلامٌ واقعيٌّ صادق؛ إذ لا يمكن لأحدٍ مهما اجتهد أن ينال رضا جميع الناس، لذلك وجب على المؤمن أن يحرص على رضا الله وحده، وألا يلتمس رضا الخلق بما يُسخِط الخالق.
وفي سنن الترمذي حديثٌ شريف أن رسول الله ﷺ قال: مَنِ التَمَسَ رِضَا اللهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس
وهنا يبرز السؤال: من ترضى أخى الحبيب؟
أرْضِ اللهَ وكفى. فمَن أرضى اللهَ ولو غضب الناس، رضي عنه ربّه وأرضى عنه الناس. ومن أرضى الناسَ بمخالفة أمر الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس. فـلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
والمقصود هنا استحالة إرضاء الناس جميعاً؛ فالناس أهواء ومشارب وعقول مختلفة؛ ما يرضي هذا يُغضِب ذاك، وما يُعجِب هؤلاء ينفر منه أولئك، لا سيما في شؤون المصالح الدنيوية.
وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ﴾
فالآية الكريمة توضّح ما في مخالطة الناس من مشقّة، وتدعو المؤمن المستقيم إلى الصبر، وألا يبغي ولا يظلم، وأن يعلم أن التنافس على الدنيا سنة لا تنقطع، ولكنّ خير ما يفعلونه من ظلمٍ أو بغي أنهم يتركون لك الباب الأعظم: باب القرب من الله، وهو بابٌ لا ينافسونك فيه
فاترك لهم دنياهم، وامضِ أنت إلى ربّك. واعلم أنّ غاية ما يصل إليه الظالم أن يحقّق مراد الله فيك
ورُوي أن موسى عليه السلام قال: يا ربّ، احبس عنّي ألسنة بني آدم؛ فإنهم يذمّونني ويؤذونني. وأشار الله تعالى إلى ذلك بقوله: ﴿لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى﴾
وإذا كان أمر الناس على هذا النحو، فكيف يطلب المؤمن العاقل رضاهم، تاركًا رضا خالقه جلّ وعلا؟ بل عليه أن يشتغل بما يُرضي ربَّه، ولو أمسى الخلق جميعًا ساخطين.
قال الشاعر:
فَلَيْتَكَ تَحْلُو وَالحَيَاةُ مَرِيرَةٌ …. ولَيْتَكَ تَرْضَى وَالْأَنَامُ غِضَاب
وَلَيْتَ الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَامِرٌ … وَبَيْنِي وَبَيْنَ العَالَمِينَ خَرَابُ
إذا صَحَّ مِنْكَ الوُدُّ فالكُلُّ هَيِّنٌ … وكُلُّ الَّذِي فَوْقَ التُّرَابِ تُرَابُ
لا تجعل عمرك يقف انتظارا لأحد ولا تقض ايامك ندما على ما فات ولا تأسف على جميل زرعته فلم يثمر. لا تحزن على أمر قد كتبه الله عليك ولا تخالف مبادئك ليرضوا عنك ولا تغير طبعك أو تبدل صوتك حتى لا تخالف من حولك. عش ايامك واستثمر وقتك لترضى ربك وحاسب نفسك قبل أن تحسب. ما يخرج من القلب يصل الى القلب وما يخرج من اللسان لا يتعدى الاذان.
نسأل الله أن يوقظ قلوبنا وقلوبكم لنيل رضاه، وأن يرزقنا الرضا بما يرضيه عنّا، وأن يعصمنا من الجليس والصاحب السوء، وأن يدلّنا على من يحبّه ويحبّنا فيه
وصلى الله وسلم على النبي الأميّ الحبيب المحبوب، عالي القدر، عظيم الجاه، وعلى آلة وصحبه أجمعين

