لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
نجد أن أعداد المتنطّعين في الدين تتزايد يوما بعد يوم في هذا العصر، ولذا نرجع إلى حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
“ألا هلك المتنطّعون، ألا هلك المتنطّعون، ألا هلك المتنطّعون.”
وهنا نتساءل: ما الفرق بين التشدّد في الدين والتنطّع؟ وما هي بعض الأمثلة على ذلك؟
فنجد الإجابة في حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه:
“إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ.”
وصدق ابن المنير رحمه الله عندما قال: لقد شاهدنا في هذا العصر بعض الشباب المتحمّسين الذين كان لهم غلوّ وتشدد، فانتكسوا وانقطعوا، وانحرف بعضهم إلى الإفراط أو التفريط.
وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنه من الأمور المحمودة، بل المقصود منع الإفراط المؤدي إلى الملل.
وقد ذكر أهل العلم أمثلةً للتشدّد والتنطّع، منها: أن يتكلّف الشخص من العبادة ما لا يستطيع، فيؤدي به ذلك إلى فوات الأفضل أو إلى السآمة، فينقطع عن العباده.
ومن ذلك أيضًا الأخذ بالعزيمة في موضع الرخصة، كمن يترك رخصة الفطر في السفر أو المرض، أو يترك التيمم فيستعمل الماء وهو يضرّه.
ومن التنطّع كذلك كثرة الأسئلة والتفريعات؛ وقد كان السلف الصالح يكرهون السؤال عما لم يقع، فإذا سُئلوا عن شيء لم يقع قالوا: دعوه حتى يقع.
وقد قال شيخى رضى الله عنه أن من أمثله التنطع في الدين أن أهل العراق سألوا سيدنا عبدالله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما هل يبطل دم البق الصلاة فرد عليهم قائلا: أتستحلون دم سيدنا الحسين وتسالون عن دم البق.
قال الحافظ في الفتح:
“وأشد من ذلك في كثرة السؤال، البحثُ عن أمور مغيّبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيّتها.”
إنّ التشدّد الديني في غير موضعه ظاهرة قديمة لازمت عصور الإسلام كلها بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، وسببها الرئيس الخلل المنهجي المؤدّي إلى الفهم المغلوط للدين، الذي يدفع صاحبه إلى الغلوّ
ومجاوزة الحد، وفرض رأيه المعوَجّ على الآخرين، فإن لم يستجيبوا يُفسَّقون ويُعاقبون وربما يُكفَّرون، فيُستباح دمهم!
فمثل هؤلاء الأجلاف كمثل دابة سيقت إلى جنةٍ نضرةٍ غنّاء تأخذ الأبصار وتخطف الألباب، فراح يلتهم زهرها ويروث على مرجها ويشوّه بديع منظرها
كان التشدد قديماً محدود الأثر والفتنة متمثلاً في الخوارج، بيد أنه بات اليوم طاعوناً مستشرياً ووباءً يتفاقم مع الزمن، خاصةً بين الشباب.
ولو اكتفى أهل الغلوّ على أنفسهم وهجروا العباد مليًّا ما أُلقي لهم بال، ولا كانوا ذوي أثر، أما أن يفرضوه على الناس بالقوة، ويستغلّوا سلطانهم ونفوذهم لإخضاع غيرهم، فهنا الكارثة الكبرى والفتنة العظمى فاذا غاب الاعتدال وتصدر الجهال ضاعت مقاصد الشريعة وتفرق الناس شيعا وأحزابا.
قال تعالى:
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) (المائدة-77).
وهناك مقوله للشيخ حسن الباقورى يقول فيها: عجبت لهذا الزمان كل من تشدد في الدين ظن الناس أنه على حق مع أن الله أرسل كتابا منيرا قال في: ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وأرسل رسولا مدحه فقال:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) فلما التشدد وكتابنا لليسر ورسولنا للرحمة.
إنّ على علمائنا ودعاتنا ومثقفينا مسؤولية عظيمة يجب أن يضطلعوا بها لتدارك هذا البلاء، وتحصين الناس بالفكر السليم والثقافة الإسلامية الشاملة، وذلك بإعادة النظر في الخطاب الديني وكيفيّة تربية جيلٍ حرٍّ متوازنٍ. فهل من مُدَّكِر؟!
قال تعالى: (وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). (التوبة: 105)

 
					 
					 
					 
					 
					 
					 
	
						
			
 
																		 
																		 
																		 
																		