11 مارس، 2025
مقالات

المهندس محمود أبو الفتوح يكتب: ما أروع الغربة !!!

كلمة الغربة .. تحتمل معنيين، الروع من الخوف والمفاجئة أو الروعة من الإعجاب والسعادة، وهي كلمة تعبر عن المعنيين عندما يجتمعا لوصف حال الإنسان عند مقابلة الجديد في حياته.

في العام 2006 وفي آخر السنة بالضبط منتصف ديسمبر، في مسقط بسلطنة عمان، وكنت قاربت علي إنتهاء عامي الرابع بالعمل في شركتها الوحيدة للنفط، وكانت شراكة مع شل العالمية ، وعند آذان المغرب هطلت أمطار شديدة وكنت في منطقة وادي العريمي بمنطقة القرم أمام حديقة العاصمة المركزية، وإذا بسد للمياه ينهار وتبدأ المياه في الفيض علي الطريق الرئيسي من العريمي بإتجاه مسقط وكان ارتفاع المياه بجانب الطريق لا تزيد عن سنتيمترات تكاد تلاحظها ولا تمثل أي خطورة.

إلى هنا والأمور عادية والطريق يسير والحياه ، ربما تأثرت بهطول مياه كثيفة، ولكنه أكثر قليلاً من المعتاد. ذلك الحين إطمئنيت علي أطفالي في محل بيتزا داخل أرض وادي العريمي، ودخلت زاوية لصلاة المغرب داخل مجمع سابكو وكان مول صغير، ولكنه يكثر به محلات البرندات العالمية ذلك الوقت من ساعات وأحذية وعطور ومنتجات من التراث العربي.

مجرد انتهائي من الصلاة خرجت وجدت المياه ترتفع في الوادي إلى عمق النصف متر وتزداد بسرعه ملحوظة جريت علي مكان أولادي ، وعندما وصلت شاهدت سيارتي تعوم وتلعب مع باقي السيارات في ساحة الإنتظار لم أهتم إلا بالمياه وصلت أعلي السرة أي أعلى من 1.2 متر!!

أخذت أولادي والعاملين وباقي أطفال المدرسة وأولياء الأمور وصعدنا الدور الأعلي وغطت المياه الدور الأول تقريبا بارتفاع متران!!

أمر صعب فعلاً.. وكلمت النجدة ، ووصلت علي الطريق أمامي علي إرتفاع 1.7م سيارات الشرطة ، وتبعها الدفاع المدني ثم توالت سيارات المسئولين علي الطريق أمامنا.

الحمد لله أخذوا من تليفوني نقطة تواصل وبالصدفة كان معانا قنصل سلطنة بروناي وزوجته وطفلتهم صغيرة بيبي. وبدأ صوت من الحرس السلطاني يتصل بي وسألني علي قدرة شحن تليفوني، وإذا كنت في حاجة لإسقاط راديو علي المكان لأن الكهرباء انقطعت عن الوادي .

المهم بدأنا التنسيق للإخلاء والضابط كان مبسوط إن عندي خبرة في هذه الأمور لكوني مصري ومهندس بترول وهذا اللي قاله ليا بالحرف لما ربنا أنقذنا من الموت المحقق.

الضابط نبهني إن هناك طائرة هليكوبتر تبحث عن مهبط أعلى بناية البيتزا ، وإذا كنت ألحظها أحاول الظهور من شباك للتعامل البصري ، وكان محل بيتزا مكان زجاجي مصمت ليست به فتحات تهوية في الدور العلوي، ويعتمد التكيفات المركزية سبيلاً للتنفس وتبديل الهواء مع فتحة السلم التي غطتها مياه الفيضان والوحل!

تجربه جديدة متعود عليها بمفردي ولكن ولادي في حضني دي قصة تانية.
كسرت السيكوريت بكرسي معدن، وبدأت التعامل مع إنقاذ الهليكوبتر وعرفنا استحالة إستخدام الهليكوبتر لعدم توافر مهبط واستحالة إخلاء أطفال بالتسلق وكان عددهم فوق ال 22 طفل وخمسة رجال أنا والقنصل وعمال البيتزا وحوالي 7 سيدات عمانيات وفلبينيات وواحدة من بروناي.

مسئوليه كبيرة لأن القنصل راجل بتاع أعمال مكتبية وراجل طيب، والعمال الهنود مزعورين واهتمامهم كان محل ومستقبل أكل عيشهم ، ووجدت نفسي في وسط المعمعة المسئول عن حياة ولادي وباقي الجمع.

في العادي شخصيتي قيادية وصاحب قرار ، لكن في الليلة دي كنت خواف ومرعوب جداً علشان الخطر اللي يحيق بولادي وأصحابهم وذعر الأمهات وبكاءهم وكان منهم زوجة مسئول كبير في الجيش وتقريباً كانت صاحبة عيد ميلاد أصحاب ولادي.

جيران الكومباوند عرفوا الخبر من التليفزيون وزوجتي جمعت النساء في البيت عندي والرجال خرجوا علي المكان ولكن للأسف داهمتهم مياه الفيضان أسفل شارع الإعلام وأغرقت محطة شل للبترول أسفل الشارع. وده كان شارع علي ربوة عالية يقطنها وزراء وكبار أعيان السلطنة ويعلوها أيضاً مقر شرطة عمان السلطانية ويسكن جاري في المقابل قائد الشرطة .

نعود للمشهد في الوادي ومعظم من فيه كانوا فرو وخرجوا سباحة واترصوا علي الطريق والجميع منتظر ومركز علي محل البيتزا الدور الثاني ومعظم محلات الوادي غمرت بالمياه وبدأت المياه تدخل علينا الدور الثاني!!

الجيش استدعي سيارتين كبار جداً وارتفاع الإطار كان يعلوا رأسي بمعني قارب المترين؟؟ ولكن عندهم مشكلة هذه السيارات يلزمها طرق منتظمة ولايوجد بها أرصفة ولا ارتفاعات لتلاشي انقلابها.

ماعاد امامنا غير الصلاة والدعاء وبعد لحظات بدأت المياه والطمي تنحسر وتهبط ببطئ حتي وصلت متر و 80 سم تقريباً عندها غامرت بالقفز والخروج من البناية واتحسس بقدمي حافية الشارع كدليل لسيارة الجيش السلطاني ، وكان قائد السيارة رتبة كبيرة وبجانبه رتبة أعلي تتولي التواصل معي ودخلنا بالسيارة حتي أمام محل البيتزا، ودخلت وصعدت كالمجنون لا أرى أمامي غير ولادي حملتهم علي كتفي ورجعت صاروخ للضابط الكبير ، وقلت له دول ولادي يقعدوا بجانبك ولا تحمل هم كل من بالداخل ها أخليهم علي ظهري ولا تقلق عليهم وقبل ما فريق الإنقاذ يدخل علينا كنت خرجت كل الأطفال والسيدات وصعدوا السيارة الإنجليزية الغريبة دي، ورغم إن أنا اتعلمت سواقة وأنا عندي 6 سنوات علي عربيات زل روسي الصنع إلا أن السيارة الضخمة دي لم ترد عليا من قبل لدرجة إني كان شاغل تفكيري إنها عناية السماء.

وبدأت المسير كدليل أمام السيارة إلى أن خرجنا من الوادي وكان كل طلبي عاوز أشيل ولادي وأروح ، وكان بيتي يبعد عن الوادي مسيرة خطوات ولكن فيها مطلع حتي مدخل المجمع وكانت عندي قوة تهد جبال شيلت ولادي علي كتفي وعربية الشرطة تترجاني أركب وأنا ماعندي ثقة غير في قدماي وطلعت بولادي البيت وورانا عربية الشرطة.

طبعاً موش عاوز أوصف استقبال زوجتي وجيراني وكانوا معظمهم زملاء عمل من بلدان مختلفه وكان اللي علي لساني الحمد لله وعاوزين نرجع مصر.

رغم أن أهل عمان ومسئوليها وشيوخها أصدقاء المسجد ما قصروا إلا أن شعورنا بالغربة والحنين لبلدنا كان طاغي علي كل شئ .

طبعاً ثانى يوم لم يكن هناك أثر لمياه في الوادي ولكن بقايا الطمي الجاف من حرارة الشمس ترك طمي حول وبداخل السيارات لدرجة إن سيارتي فتحت أبوابها بالعافية وكان بداخلها قالب طمي يأخذ بروفايل السيارة بالكامل ولم ينجو منها غير المصحف الشريف وآية الكرسي المعدن دلاية في المرآه لم يمسسهم سؤ.

لم يقصر الشيخ سهيل بهوان صاحب توكيلات نيسان وأحد أثرياء السلطنة ، وكان جار وصديق مسجد من إعطاء التوصيات للوكالة بسحب السيارة وعمل اللازم لأن شركات التأمين ذلك الوقت كانوا ناصحين شويتين ورغم إن السيارة لم يمضي علي شراءها 6 أشهر ، وكانت موديل السنه إلا إنهم أدعوا ثغرة في التأمين الشامل أنه لايشمل الكوارث الطبيعية.

تجربه جديدة ورغم إنها بسيطة عادية في أي بلاد لا تلتزم حرمة الوديان وتعمرها وتبني فيها إلا أنني طلبت من شل العودة لمصر او الاستقالة وزارنا discipline manger وقعد معايا وحاول يثنيني عن ترك شل وعرض عليا الإنتقال للمركز الرئيسي في هولندا.

ولأن اللي اتلسع من الشوربة ينفخ في الزبادي زملائي الجيولوجيين توقعوا إعصار شديد يضرب السلطنة مرة ثانيه وأنا استعديت للرحيل واشتريت عربية دفع رباعي أنزلها معايا مصر وأخذت الحيطة وبدأنا نتابع الإعصار وبالصدفة هاجم السلطنة يوم 8-9 يونيه واتقفل المطار لفترة واحنا كنا عاملين حسابنا، واشترينا مؤن وطعام واسطوانات غاز احتياطي وشموع وبمجرد إنتهاء جونو الإعصار ، وقبل جفاف الأرض انتهزت الفرصة وبلغت مدرسة الأولاد إني مهاجر علي هولندا، وكان العام الدراسي أعلنوا انتهاءه قبل موعده ومنح الطلاب الشهادات وطلبت إرسالها مشكورين علي المدرسة الإنجليزية في هولندا ، وتم شحن سيارتي علي ميناء روتردام وشحن عفش البيت علي هناك وقررت أخد بريك أفكر واستوعب ما حولي في مصر وبعدين نشوف هنعمل ايه.

وكان القرار نعتمد علي هولندا وكانت شل هولندا عملوا كل حاجة استلموا العربية والاغراض وقدموا للولاد في المدرسة وجاهزين لاستقبالنا وصادفت أول يوم عمل في هولندا لاهاي ثاني يوم في شهر رمضان المبارك صيف العام 2007.

وإلي اللقاء في مذكرات مغترب في شل هولندا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *