7 نوفمبر، 2024
الطاقة الجديدة والمتجددة

«تباطؤ الاقتصاد والتقدم في تحول الطاقة» يؤديان إلى تآكل الطلب الصيني أكبر مستوردة عالمية للوقود

كتب: طارق حسين

على مدى عقدين، ومع إشراقة كل شمس تحتاج الصين لملايين البراميل من النفط لتحريك عجلة نموها الاقتصادي، ما جعلها المحرك الرئيسي للطلب العالمي على الخام، لكن الأمر لم يعد كذلك في الوقت الراهن في وضع غير مألوف بالنسبة للتجار والمديرين التنفيذيين الذين يحضرون مؤتمر النفط في آسيا والمحيط الهادئ (APPEC) المنعقد في سنغافورة الأسبوع الحالي.

يخيم التباطؤ على نمو الاقتصاد الصيني بصورة كبيرة، مع تدهور سوق العقارات وضعف ثقة المستهلكين. وما يزيد الطين بلة بالنسبة لأسواق النفط هو التغيرات الهيكلية الناجمة عن شيخوخة السكان والتحول نحو الطاقة النظيفة وتبني نموذج نمو يعتمد بصورة أقل على مشروعات البنية التحتية الضخمة. ويعني ذلك لتجار النفط والمحللين القيام بتعديلات كبيرة للتكيف مع الوضع الجديد.

استهلاك الصين من النفط

قالت جانيت كونغ، الرئيسة التنفيذية لشركة “هينغلي بتروكميكال إنترناشونال” (Hengli Petrochemical International)، الذراع التجارية لأحد أكبر مصافي النفط الخاصة في الصين: “أجريت مناقشة داخلية مع التجار المتعاملين معي، وسألتهم سؤالاً واحداً، كم من الوقت عملتم في التجارة؟ قالوا 10 سنوات. وكان ردي أنك لم تمارس التداول فعلاً في ظل عالم ليست الصين عاملاً صعودياً فيه”.

قدمت الواردات القياسية للصين دعماً لأسعار النفط الخام على مدى عقود ووفرت فرصاً تجارية للمتداولين في مناطق مثل شنغهاي ودبي ولندن بفضل تطورها. لكن يصعب الحفاظ على ذلك الأمر في ظل تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن المخاوف حول عدم بلوغ هدف العام الجاري البالغ 5%.

تشير توقعات استطلاع رأي غير رسمي لبلومبرغ شمل 10 محللين وتجار على هامش مؤتمر آسيا والمحيط الهادئ للنفط إلى أن استهلاك النفط في الصين سيرتفع بما لا يتجاوز 300 ألف برميل يومياً خلال 2025. ويقل هذا الرقم بنحو 25% عن أحدث توقعات وكالة الطاقة الدولية ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).

من المنتظر أن تبلغ الزيادة 200 ألف برميل يومياً خلال السنة الجارية، وفق استطلاع الرأي. وأشار المشاركون في استطلاع الرأي، ممن طلبوا عدم الإفصاح عن هوياتهم لأنهم غير مصرح لهم بطرح وجهات نظرهم علناً، إلى تزايد استخدام السيارات الكهربائية، والتوسع المضطرد في الشاحنات التي تعمل بالغاز الطبيعي المسال، والقيود الحكومية على واردات النفط الخام وصادرات الوقود. كما تتوافر سعة تخزينية احتياطية محدودة لدى بكين لتعزيز احتياطياتها النفطية الاستراتيجية.

طلب أقل على النفط

أوضحت أمريتا سين وليفيا غالاراتي، المحللتان في شركة “إنرجي أسبكتس” (Energy Aspects)، في مذكرة نشرتاها الأسبوع الجاري: “من منظور العوامل الهيكلية للاقتصاد، يبدو الآن أنه من غير المحتمل أن تحافظ الصين العملاقة على طلبها الهائل على النفط وربما حتى السلع الأساسية الأخرى كمان كان من قبل. نثق في أن الحكومة لن تسمح بانهيار النمو الاقتصادي، لكنه سيكون بطيئاً دون شك في المستقبل القريب”.

نوه مشاركون آخرون في مؤتمر النفط في آسيا والمحيط الهادئ، ومن بينهم كونغ من شركة “هينغلي”، إلى تغير طبيعة الطلب على النفط. تشكل المواد الخام الكيميائية لإنتاج منتجات مثل الألياف ثلث إجمالي استهلاك البلاد -نحو 5 ملايين برميل يومياً- وربما تزداد هذه النسبة مع تحول وسائل النقل إلى الكهرباء. لكن كونغ تعتقد أن هذه السلع تدوم أكثر بكثير من الوقود، ما يعني تكرير كمية أقل من النفط الخام مع مرور الوقت.

خيمت توقعات المصاعب التي تواجه الصين على الحدث السنوي في سنغافورة، وهو أكبر مؤتمر للنفط في آسيا. مع اقتراب سعر مزيج برنت من 71 دولاراً وفي ظل علامات لا تذكر على انتعاش وشيك على ثاني أكبر اقتصاد في العالم، يستعد التجار وشركات المصافي لأرباح منخفضة.

رغم ذلك، تستمر سعة التكرير في الصين بالنمو. من المنتظر توسع إجمالى السعة بنحو 740 ألف برميل يومياً مع توسعات مصفاتي تشنهاي التابعة لشركة “تشاينا بتروكميكال” (China Petrochemical) وداشي التابعة لشركة “سينوبك”، علاوة على منشأة جديدة تابعة لشركة “شاندونغ يولونغ بتروكميكال” (Shandong Yulong Petrochemical).

رغم ذلك، قال التجار والمحللون المشاركون في استطلاع رأي بلومبرغ إن أكبر مستهلك للنفط في العالم سيضطر إلى العيش مع معدلات معالجة أقل من 70%.

تغير أوضاع الاقتصاد الصيني

لا يوجد إجماع حول بلوغ استهلاك الوقود الأحفوري في الصين مستوى ذروته، أو استبعاد إمكانية زيادة النمو الاقتصادي. قال سعد رحيم، كبير خبراء اقتصاد شركة “ترافيغورا غروب”، إن عدد سيارات محركات الاحتراق الداخلي الجديدة يستمر في الزيادة من 8 إلى 9 سنوياً في البلاد.

أضاف: بالنسبة لي، تعني مبيعات السيارات التقليدية الجديدة أننا لم نصل للذروة”.

يتفق آخرون على أنه ما يزال يوجد مجال للنمو، حتى في بيئة أقل اعتماداً على السلع الأساسية. وذكر سري بارافايكاراسو، مدير تحليل السوق في شركة “فيليبس 66 إنترناشونال تريدينغ” (Phillips 66 International Trading): “إذا تحسن الاقتصاد الصيني، ستزداد قيادة المركبات للسفر لأغراض غير أساسية. لكن يجب علينا جميعاً أن نتقبل نمواً أبطأ للطلب من الصين خلال السنوات المقبلة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *