22 أكتوبر، 2025
البترول الغاز الطبيعي

تقرير يكتبه دكتور مهندس وائل حامد، الخبير المتخصص في أسواق الغاز: مصر وقبرص.. تدشين جسر جديد للطاقة في شرق المتوسط عبر الغاز

تشهد منطقة شرق المتوسط واحدة من أبرز التحولات في مشهد الطاقة العالمي، إذ تتبلور فيها ملامح شراكة جديدة للتعاون الإقليمي في مجال الغاز الطبيعي، عنوانها اليوم: مصر وقبرص.

فبعد نحو عقد ونصف من تعثر خطط الإنتاج من أول اكتشاف غازي في قبرص، وهو حقل أفروديت، تقترب الجزيرة من دخول نادي المنتجين بفضل خططها الجديدة القائمة على التعاون مع مصر، والتي تُرجمت بتوقيع سلسلة من الاتفاقيات الهادفة إلى الإسراع بربط إنتاج الغاز القبرصي بالبنية التحتية المصرية، في خطوة تمثل مكسباً مزدوجاً للبلدين.

 

من أفروديت إلى كرونوس: رحلة قبرص الشاقة نحو سوق الغاز..
بدأت القصة عام 2011 مع إعلان اكتشاف حقل أفروديت في البلوك رقم 12 بالمنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، باحتياطي يُقدر بنحو 4.5 تريليون قدم مكعب، ليكون أول اكتشاف غازي تجاري في تاريخ البلاد.
ومع توسّع أنشطة البحث التي قادتها كبرى شركات الطاقة مثل إيني وتوتال إنرجيز وإكسون موبيل، وأخرون توالت الاكتشافات تباعاً، كان من أبرزها:
• كاليبسو في البلوك (6) عام 2018، باحتياطي يقارب 1 تريليون قدم مكعب.
• جلاكوس في البلوك (10) عام 2019، بموارد قُدرت حينها بين 5-8 تريليون قدم مكعب.
• كرونوس في البلوك (6) عام 2022، باحتياطي يُقدّر بـ 2.5 تريليون قدم مكعب.
• زيوس في البلوك (6) عام 2022، باحتياطي بين 2-3 تريليون قدم مكعب.
وبذلك يبلغ مجموع الاحتياطيات المكتشفة في المياه القبرصية عبر تلك الاكتشافات قرابة 15 تريليون قدم مكعب، مع توقعات بزيادتها في ضوء نتائج الاستكشافات الجارية في المناطق قبالة سواحل قبرص.

ورغم تعاقب الاكتشافات، بقيت قبرص “غير قادرة” على تطوير أفروديت بسبب خلافات فنية وتجارية بين الشركاء، وتغير المُشغلين، واعتراضات الحكومة القبرصية على خطط التطوير المقترحة. كما أن قبرص تفتقر للبنية التحتية اللازمة لنقل الغاز أو معالجته أو تسييله، ما جعل خيار الربط مع مصر هو الحل الأكثر واقعية واستراتيجية.

الربط مع مصر: خيار استراتيجي ومكسب مشترك
اتجهت قبرص نحو مصر لتكون بوابتها نحو الأسواق العالمية، لما تمتلكه القاهرة من بنية تحتية متكاملة تشمل خطوط أنابيب، ومنشآت معالجة، ومحطتي إسالة في إدكو ودمياط، فضلاً عن سجلّها الناجح في إدارة شراكات الطاقة مع الشركات العالمية، والتي من بينها الشركات القائمة بعمليات الاستكشاف قبالة السواحل القبرصية.
كما أن مصر نجحت خلال الأعوام الأخيرة في ترسيخ مكانتها كمركز إقليمي لتجارة وتسييل الغاز في شرق المتوسط، مع احترامها لالتزاماتها التعاقدية وتوفيرها بيئة استثمارية مستقرة.

خطوات بناء جسر الغاز بين القاهرة ونيقوسيا
بدأت المسيرة بتوقيع اتفاق حكومي بين البلدين في سبتمبر 2018 لإنشاء خط أنابيب بحري لنقل الغاز من حقل أفروديت إلى منشآت الإسالة المصرية في إدكو ودمياط، مما وضع الأساس القانوني والتقني للمشروع. ثم توالى توقيع اتفاقيات منظمة لهذه الشراكة والتي تم تتويجها في أكتوبر 2025، بتوقيع اتفاقيتين جديدتين، تتعلقان بتطوير ونقل غاز حقل كرونوس لتنظيم الجوانب الفنية والتجارية لمعالجة الغاز القبرصي في مصر قبل إعادة تصديره

ومن المتوقع أن يبدأ تدفق الغاز من حقل كرونوس وبكميات 400 مليون قدم مكعب/اليوم، بحلول عام 2027 حسب اتفاقيات الشركاء المعلنة، على أن يلحق به حقل أفروديت في مرحلة لاحقة.

المكاسب الاستراتيجية لقبرص

لا شك أن تكامل الحقول القبرصية مع الشبكة المصرية يوفر مرونة تشغيلية ويخفض الحاجة إلى إنشاء بنية تحتية جديدة في قبرص، ما يعني وفراً مالياً وتسريعاً للجدول الزمني للإنتاج. كما تمنح قبرص منفذاً آمناً لتسويق مواردها، عبر البوابة المصرية، وفتح فصل جديد لها في سوق الغاز بعد تعثر عدة سنوات.

المكاسب الاستراتيجية لمصر
يعزز الربط مع قبرص مكانة مصر كمركز إقليمي لتسييل وتجارة الغاز، ويزيد من كميات الغاز التي تتدفق إلى منشآت الإسالة، ما يضمن استدامة التشغيل ويولّد عوائد من رسوم النقل والمعالجة.
كما يتيح لمصر تنويع مصادر إمداداتها، ويقوي دورها كمورد موثوق للغاز للأسواق الأوروبية التي تسعى إلى تقليص اعتمادها على الغاز الروسي بحلول 2027.

آفاق أوسع للتعاون الإقليمي

لا تقتصر المكاسب على الاقتصاد فقط، بل تشمل أيضاً تعزيز الروابط السياسية والاستراتيجية بين البلدين. فالشراكة في قطاع الغاز تمثل نموذجاً ناجحاً للتكامل الإقليمي في مجال الطاقة، وتفتح الباب أمام مشاريع أخرى مثل الربط الكهربائي والاستثمارات المشتركة في الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر.
وإذا ما تحقق النجاح في تطوير حقول “أفروديت” و“كرونوس”، فقد تنطلق مرحلة جديدة من التعاون الثلاثي بين مصر، قبرص، واليونان لتأسيس محور للطاقة في شرق المتوسط، يعيد رسم خريطة تدفقات الغاز في المنطقة.

خاتمة
إن مشروع الربط بين مصر وقبرص يتجاوز البعد التجاري ليؤسس لشراكة استراتيجية طويلة الأمد، تعزز مكانة شرق المتوسط كمحور رئيسي في أمن الطاقة الإقليمي والعالمي، وتكرّس دور مصر كجسر يربط موارد المنطقة بالسوق العالمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *