9 ديسمبر، 2025
مقالات

تهامي كرم يكتب : البكالوريا المصرية… امتحان الأمة وضمير المعلم

 

ها هي البكالوريا المصرية تُقبل كفجر وليد، تحمل في مهدها الأمل وتطلّ من نافذتها بشائر الإصلاح. ولقد اجتهد الوزير مشكورًا، فأوقد المصابيح في طرق المدارس، وحاول أن يُعيد الطالب إلى محراب العلم، وأن يرد المدرسة إلى مكانتها الأولى منارةً للهدى لا أطلالًا يبابًا. لكن بعض المعلمين كانوا كالغيم المظلم يحجب الشمس، وكالريح العقيم تعصف بالبذور، يتحايلون ويمكرون، فيفرغون القرار من روحه، ويجعلون الجهد هباءً منثورًا.

المعلم هو القنديل؛ إن أضاء، أشرق الدرب، وإن انطفأ، غرق الجميع في عتمة. هو السارية؛ إن ثبتت، بقيت السفينة آمنة، وإن انكسرت، هلك الركاب وغرقوا في اللجج. غير أن كثيرًا من معلمي الثانوية صاروا حضورًا بلا أثر، وظلالًا بلا روح. يتشدّقون بالقول، ويهجرون العمل، ويغادرون الفصول كما يغادر التائهُ بيتًا لا مأوى فيه. وإن عمل أحدهم عملًا يسيرًا، رفعه راية نصر، وهو عند الحقائق سرابٌ خادع.

هكذا فرّ الطلاب إلى “السنتر”، كما يفرّ الطير من عشّ مهجور، وكما يلوذ العطشان بالسراب في صحراء قاحلة. صار السنتر وطنًا والكتاب غريبًا في داره، والمدرسة قاعة خاوية إلا من مقاعد وسبورة يتيمة. أيعقل أن تتحول بيوت العلم إلى هياكل فارغة، بينما تتحول الأزقة إلى جامعات موازية؟

والأدهى أنّ بعض المعلمين جعلوا من الدروس الخصوصية صنمًا يُعبد، ومن جيوب الآباء غاية، يطرقون الأبواب استجداءً، ويتركون الفصول قفرًا بلا زرع ولا ماء. هؤلاء كالأشواك، لا يثمرون إلا ألمًا، وكالحشائش الطفيلية، إن تُركت خنقت الزرع الطيب، فلا إصلاح إلا باقتلاعهم، ولا نهضة إلا بتمهيد الأرض للغرس النقي.

إن البكالوريا المصرية ليست اختبارًا للطلاب وحدهم، بل محكًّا لضمير المعلّم، وميزانًا لصدقه أو مكره. إن صدق أزهرت التجربة وأثمرت، وإن خان ذبلت الفكرة وماتت في مهدها.

كما أدركتُ أثناء لقاء الوزير بمديري المدارس الثانوية أن هناك ضرورة قصوى لرسالة موحدة تصدر من معاليه، ومن وكيل الوزارة، ومن كل مسئول عن التعليم، تُنقل إلى مديري المدارس الثانوية، ثم إلى الطلاب وأولياء الأمور. فالاتساق في الكلام يُبعد الالتباس ويمنع كل فرد من التعبير عن رأيه الشخصي أو قناعته الخاصة، ويجعل الخطاب الرسمي للوزارة واضحًا، موحدًا، ويعزز ثقة الجميع بالنظام الجديد.

أيها المعلمون… أيها الأمناء على مستقبل الأمة: هذه لحظة الفصل، إمّا أن تكونوا مناراتٍ تهدي، أو ظلماتٍ تُضل. إمّا أن تكتبوا أسماءكم في سجلّ النهضة، أو أن تسقطوا في مزبلة التاريخ. الوزير قد بذل جهده، والدولة قد فتحت الباب، لكن البوصلة في أيديكم، والضمير امتحانكم. فكونوا أوفياء للرّسالة، وازرعوا في الفصول أملًا لا يُباع ولا يُشترى، قبل أن يُكتب في صحائفكم أنكم خذلتم الوطن في ساعة امتحان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *