يا سيادة المحافظ.. ما هكذا تُقال الكلمة، ولا هكذا يُخاطَب أصحاب الرسالات، رأيتَ معلمين في معمل كمبيوتر، يحتسون شايًا، ويأكلون بسكويتًا.. فغضبتَ.
لكن، هل غضبت من مشهدٍ عابر؟ أم غضبت لأنك نسيت أن المعلم ليس موظفًا في طابور المرتبات، بل حامل رسالة، لو انطفأت شعلتها، خبا ضوء الوطن كله؟
سيادة المحافظ.. من السهل أن تُطلق الأحكام،
ومن السهل أن تُلوّح بكلمات كالسياط، لكن الأصعب، أن تنزل إلى عمق المشهد، وأن ترى بعين القلب، لا بعدسة الكاميرا.
هل حسبتَ كم مرةٍ دخل المعلم مدرسته على قدم الحاجة، وخرج منها على جناح الصبر؟
هل سألت نفسك كم معلمًا يعمل في صمت، دون حافز، ولا تقدير، ولا حتى مقعد مريح؟
هل تعلم أن بين جنبات المدارس من يحمل شهادات عليا، وقلوبًا أنقى من الحسابات، يعملون برواتب لا تكفي لتعليم أبنائهم،
الذين يحلمون بحياة أقل ألمًا مما عاشه آباؤهم؟
لكن.. لكي يُثمر هذا الصيف تعليمًا، وتزدهر فيه المدارس حركةً وعلمًا، فلا بد من خطة مُعلنة، لا مباغتة، وموارد موفورة، لا وعود مُفرغة، وعدالة في التكليف، لا انتقائية ولا استثناء لأحد، حينها فقط، يصبح العمل واجبًا، ويصبح الأداء حقًّا للوطن، لا منّة على المعلّم، وتُختبر النوايا لا الألفاظ، وتُقاس النتائج لا المشاهد العارضة.
أما أن نكتفي بالتوبيخ العلني، ونتغافل عن غياب التخطيط، فذاك ليس عدلًا… بل إسقاطًا للواجب على المظلوم، وتنصلًا من المسئولية في ثوب اتهام.
يا سيادة محافظ أسيوط.. إن كان الشاي والبسكويت قد أثار استياءك، فاعلم أن المعلمين لم يأكلوا يومًا على حساب الوطن،
بل أطعموه من جوعهم، وسقوه من صبرهم،
وعلّموا أبناءه أن يكونوا له أمناء، حين كان بعضهم يسرق، أو يُضلّل، أو يُخدر العقول.
لسنا طلاب عطايا، ولا أصحاب موائد فارغة، بل أصحاب عقولٍ ملأى، وقلوبٍ خُلقت للإخلاص.
لكننا – ويا للأسف – بلا نقابة تمثلنا، ولا كيان يحمي حقوقنا، ولا قانون يُنصفنا… صرنا بين المطرقة والسندان.. ذُل الحاجة، وقسوة الاتهام.
سيادة محافظ أسيوط.. قبل أن تُحمّل المعلم “المحصلة صفر” سل نفسك أولًا: أين البنية التعليمية؟.. أين تدريب الكوادر؟
.. أين الراتب الكريم؟
أين الكرامة التي تُبقي المعلم واقفًا شامخًا؟
ثم اسأل بعدها: هل تُثمر الأرض إن زُرعت بلا ماء… وحُصِدت بالشتائم؟
يا سيادة محافظ أسيوط.. المعلم هو من يربّي من يحرس الوطن، ويُعلّم من يشرّع له، ويُنير الطريق لمن يُدير البلاد.. فلا تطفئوا هذا النور بتصريحات تُذل العزائم، وتكسر النفوس.
فمن يستهين بالمعلم.. يستهين بوطنه، وإن لم يشعر.
ختامًا…
نحن لا نطلب مدحًا… بل احترامًا.
ولا نرجو جزاءً… بل إنصافًا.
وسنظل على العهد…
نعطي، ونُعلّم، ونصبر…
لكننا نأبى أن نُهان.
…..
تهامي كرم.. مدير مدرسة الشهيد مصطفى لطفي الثانوية العامة بالمنوفية