منذ فجر الإنسانية، ومصر تكتب على صفحة الدهر سطورًا لا يذبل حبرها ولا يخفت ضياؤها. هي التي احتضنت الفراعنة، فشيّدوا الأهرامات لتكون حجارة ناطقة بالشموخ، وهي التي مرّ بها الأنبياء، فكانت أرض الرسالات ومهبط البركات.
مصر ليست وطنًا يُسكن، بل هي تاريخ يُقرأ، وقصيدة تُتلى، وأسطورة تُحكى على مسامع الدهر.
إذا ذكرت الحضارة، فهي عروسها المتوّجة. وإذا قيل العراقة، فهي تاجها المرصّع. نيلها ليس نهرًا فحسب، بل وترٌ سماويّ تعزف عليه قلوب المصريين أناشيد البقاء، وصحراؤها ليست قفرًا، بل مرآة ذهبية تعكس ضوء الشمس ليظل الدهر محتفيًا بها.
يا مصر، يا كوكبة العصر وكتيبة النصر، يا إيوان القصر وعرين الفخر. أنت أم الحضارة، ورائدة المهارة، ومنطلق الجدارة. فيكِ تصافحت القلوب، والتقى يوسف بيعقوب، وغنّى الدهر نشيده الأبديّ: ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين.
لقد كانت مصر عبر العصور قلب العرب النابض، فإذا توقف القلب فلا حياة للجسد. هي السيف يوم احتدم الوغى، وهي المرسى الآمن حين اضطربت البحار، وهي السفينة التي مهما علا الموج، ظلّ فلاحوها وملاحوها يصرخون في وجه الريح حتى تواتي.
ومصر اليوم كما كانت بالأمس، درع الأمة وحصنها، تتصدّى للمؤامرات، وتحمي حدود العروبة، وتدافع عن قضايا الحق والعدل. تقف بجوار فلسطين ضد التهجير والاقتلاع، وتشد على أيادي الشعوب العربية في سوريا ولبنان والعراق وليبيا واليمن والسودان، لتبقى الكلمة العليا للأمة، لا للغزاة والمتربصين.
ولم يكن دور مصر السياسي وحده هو ما يخلّدها، بل دورها الديني والروحي الذي يتجلى في الأزهر الشريف؛ هذا المنارة التي أضاءت ظلمات العصور، وحملت مشاعل الإسلام الوسطي المعتدل، لتظل حاميةً للعقيدة من الغلوّ والانحراف، وراعيةً لوحدة الأمة من التمزق والضياع.
الأزهر هو محراب الحكمة، ومئذنة النور، وجسر التواصل بين مصر والعالم الإسلامي، يبعث برسائله إلى الشرق والغرب، ليعلّم الناس أن الدين رحمة، وأن الإسلام عدل، وأن الوسطية حياة.
سلامٌ عليكِ يا مصر، يا أرض النيل وأم الجيل، يا قاهرة المعز، ويا حاملة التاريخ بأمانة. لكِ في القلوب مقام، وفي الأرواح سلطان، وفي الضمائر عهد لا ينكسر.
ستبقين ما بقي الزمان، أرض الأصالة والعراقة، وميدان البطولة والسيادة، وسيدة الحضارة والريادة.
