أي قسوة هذه التي تجعل صانع الأجيال يعيش مهانًا في شبابه، ثم يخرج إلى شيخوخته مسحوق الكرامة، ينتظر الفتات؟
المعلم المصري اليوم ليس مجرد موظف بسيط يعاني، بل مأساة إنسانية كاملة: راتب لا يكفيه، ومعاش يهينه، ونقابة صامتة وكأن الأمر لا يعنيها.
معلم قضى أربعين عامًا من عمره في تربية الأجيال، يخرج إلى المعاش ليجد نفسه يعيش على أقل من نصف راتب كان في الأصل ضئيلًا، يقضي نهاره بين الصيدليات وليلَه يفكر كيف يسد رمق أسرته. كثير منهم – ويا للعار – يطرقون أبواب الجمعيات الخيرية أو ينتظرون عطف أولادهم وتلاميذهم. أهذا جزاء من علّم القضاة والأطباء والوزراء؟
أما المعلم القائم بالخدمة فحاله لا يقل مرارة: راتب مهين لا يكفي أسبوعًا، ومكافآت هزيلة، وضغوط معيشية تجعله يذهب للفصل وهو يحمل هم الديون لا هم التعليم. ثم نطالبه بإخراج جيل عبقري ينافس عالميًا! هل نصنع المعجزات على بطون فارغة؟
والأدهى من كل ذلك أن النقابة التي وُجدت للدفاع عن المعلمين أصبحت هي الأخرى عبئًا عليهم. ولو أجرينا استطلاعًا حرًا اليوم لاختار أغلب المعلمين الخروج منها غير مأسوف عليها، لأنها لم تقدّم لهم شيئًا يذكر. لجنة لتسيير الأعمال تديرها ببرود إداري، بلا روح، بلا موقف، وكأنها مكتب بريد لا نقابة مهنية.
كرامة المعلم ليست رفاهية، بل قضية أمن قومي. لا تُبنى العقول بمعلمين مسحوقين، ولا تنهض الأمم بمعلمين يمدّون أيديهم. إذا كنا نريد جمهورية جديدة حقيقية، فلنبدأ بكرامة المعلم: راتب كريم، معاش يليق، ونقابة منتخبة قوية تدافع عن أصحاب أقدس مهنة.
فخامة الرئيس…
إننا نثق في وطنيتكم، ونعلم أنكم تحلمون بمصر قوية متقدمة. وهذه القوة لن تأتي بالحجر فقط، بل بعقول يصنعها المعلمون. فأكرموهم اليوم، ليبني لكم الغد الذي تحلمون به.