في كل نهضة حقيقية، يُصان المعلم كما تُصان الأرض الخصبة؛ فالكرامة هي الماء الذي يروي جذور رسالته.
لكن ما آلمني، وأحزن كثيرين من أهل التعليم، هو أن نرى كرامة قائد تربوي تُهدر على الملأ، لا لذنبٍ سوى أن مكتبه كان أوسع مما ارتأى المسئول.
معالي محافظ إلمنيا..
نحن نُقَدِّر غيرتك على الفصول الدراسية، وحرصك على أن يجد كل طالب مقعدًا يحتضنه، فهذا واجبك وواجبنا معًا، لكننا نذكّرك أن مدير المدرسة ليس جالسًا على كرسي مكسور في زاوية عابرة، بل هو “بوابة العلم” و”قائد المركب” الذي يوجه طاقمه وسط أمواج المشكلات، فكيف نطلب من القبطان أن يقود السفينة، بينما نأمره بأن يكتفي بمقصورة ضيقة تفتقر حتى لهيبة الاستقبال؟
إن أولياء الأمور، حين يطرقون باب المدير، يأتون من كل دروب المجتمع؛ بينهم الطبيب، والمأمور، ومدير البنك، والتاجر، والمزارع، وفي بعض الأحيان يجلس في مقعد الضيف من كان بالأمس تلميذًا بين يدي هذا المدير، فهل من اللائق أن يُستقبل هؤلاء في غرفة تفتقر لأدنى درجات الآدمية، بينما نرى في مؤسسات أخرى مكاتب فارهة تتزين بالرخام والستائر الوثيرة؟!!
ثم.. أليس من الإجحاف أن يُقاس احترامنا للتعليم بعدد الفصول وحدها؟
الفصل جدار وسقف، أما الكرامة فهي الهواء الذي يتنفسه المعلم والمدير معًا، وإن إضعاف هيبته أمام طلابه ومعلميه وأولياء الأمور، جرحٌ في صميم الرسالة التعليمية، لا يقل خطرًا عن هدم جدار فصل.
سيادة المحافظ الكريم..
نحن نجلّ مقامكم ونحترم غيرتكم على مؤسسات الدولة وقادتها، وندرك حرصكم على حفظ الانضباط وهيبة المسئول، غير أن كرامة المعلم ومدير المدرسة لا تقل شأنًا عن أي قائد في موقعه، بل هي صمام أمان التعليم وروحه الحية، لقد كثرت الإهانات التي تطال المعلمين من كل حدب وصوب، وتُلقى في العلن أمام الطلاب وأولياء الأمور، بينما تغيب مناقشة مشاكلهم ومعاناتهم بالجرأة نفسها.
ويزداد الجرح عمقًا في غياب نقابة منتخبة تمثل المعلمين بحق، إذ تُدار أمورهم عبر لجنة منتقاة رغماً عنهم لتسيير الأعمال، فصار كثيرون يخشون على مقاعدهم في النقابة أكثر من خشيتهم على صوت المعلم وهيبته، وحتى لجنة التعليم في مجلس النواب تكاد تخلو من معلم حقيقي يكون درعهم وسيفهم، ينقل صرخاتهم وتوجعاتهم إلى من بيده القرار، ويحفظ لهم مكانتهم التي إن ضاعت، ضاع معها مستقبل الوطن.
معالي محافظ إلمنيا المبجل..
لسنا في خصومة معك، بل نحن شركاء في بناء هذا الوطن. ولكن الشراكة تقوم على الاحترام المتبادل، لا على مشاهد التأنيب العلني. ونحن على يقين أن إصلاح التعليم يحتاج فصولًا رحبة، نعم، لكنه يحتاج أيضًا قلوبًا رحبة تحفظ كرامة من يقودونها.
إن المعلم ومديره ليسا حجارة في جدار، بل هما روح المدرسة ونبضها.. وإذا كسرنا روحهما، فلن ينفعنا أن نعدد الفصول أو نزين الجدران، لأن البيت الذي يُهدم من الداخل، لا يبنيه الخارج مهما كان متينًا.