12 يوليو، 2025
أخبار مصر

خبير أمن قومي: الغبار النووي لا يعترف بالحدود الجغرافية

حذّر المستشار الدكتور طارق منصور، خبير استراتيجيات الحرب والأمن القومي، من كارثة صامتة قد تهدد شعوب المنطقة بأسرها، في حال تطورت الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران إلى استهداف المنشآت النووية.

وقال منصور إنّ “أي هجوم عسكري يستهدف المنشآت النووية الإيرانية أو الإسرائيلية – مثل مفاعل نطنز، أو أراك، أو فوردو، أو ديمونا – لا يمكن فصله عن تبعاته البيئية الخطيرة، وعلى رأسها انبعاث الغبار النووي، الذي لا يعترف بالحدود الجغرافية، ولا يخضع لحسابات الربح والخسارة العسكرية”.

وأضاف: “هذه المنشآت ليست مجرد بنى تحت الأرض، بل هي قلب المشروعين النوويين الإيراني والإسرائيلي، ومحور التوتر الإقليمي والدولي. واستهدافها لن يؤدي فقط إلى تدمير بنيتها التحتية، بل سيخلق كارثة بيئية وصحية تتجاوز آثارها حدود الدول المتنازعة”.

الغبار النووي: سمّ بلا جواز سفر

وأوضح منصور أن المنشآت النووية تحتوي بطبيعتها على مواد مشعة شديدة الخطورة، مثل اليورانيوم المخصب والماء الثقيل. وعند تعرض هذه المنشآت لقصف مباشر، تنتشر سحب من الغبار الملوث بالإشعاع، تحملها الرياح إلى مناطق قد تبعد مئات الكيلومترات عن موقع الانفجار.

وأضاف: “في الحالة الإيرانية، فإن اتجاهات الرياح الموسمية في الشرق الأوسط قد تحمل الغبار النووي شرقاً إلى باكستان وأفغانستان، وغرباً وشمالاً إلى بلدان الخليج والعراق وتركيا، وقد يصل حتى الجزيرة العربية وأجزاء من إفريقيا، في سيناريو كارثي بكل المقاييس”.

وأشار إلى أن هذا الغبار لا يحمل الإشعاع فقط، بل أيضاً أمراضاً خطيرة مثل السرطان، والتشوهات الخلقية، والفشل في الأجهزة الحيوية للجسم. كما أن التربة والمياه الجوفية قد تتلوث لعقود، مما يؤثر على الزراعة وإمدادات المياه، لتتحول الضربة “المحسوبة” إلى جريمة بيئية عابرة للحدود.

لعبة النار: إسرائيل، إيران، أمريكا والعالم

يرى منصور أن استهداف المفاعلات النووية قد لا يؤدي إلى إنهاء البرنامج النووي الإيراني، بل ربما يعزز رغبة طهران في امتلاك السلاح النووي باعتباره “الردع النهائي”. في المقابل، تواصل إسرائيل التلويح بالخيار العسكري بعد فشل المساعي الدبلوماسية، بينما تقف الولايات المتحدة في موقف متأرجح بين دعم حليفتها الإسرائيلية وضبط إيقاع الصراع الإقليمي.

وتساءل منصور: “هل تدرك الأطراف جميعاً أن اللعب في محيط نووي هو لعب بالنار فوق خزان وقود إقليمي قابل للاشتعال؟”.

الخليج في مهبّ الريح

وحذر منصور من أن الخيار العسكري ضد المفاعلات النووية الإيرانية لا يصب في مصلحة أحد، حتى دول الخليج التي تعيش خصومة سياسية حادة مع إيران. وقال: “الثمن الذي سيدفعه الجميع باهظ وغير قابل للاحتواء، فمنطقة الخليج تُعد الشريان الحيوي لسوق الطاقة العالمي، وأي اضطراب في مضيق هرمز أو قصف لمنشآت نفطية كرد فعل على الهجوم قد يؤدي إلى ارتفاع جنوني في أسعار النفط والغاز، وتهديد سلاسل التوريد العالمية، ناهيك عن التأثير الفوري على عملات وأسواق دول الخليج”.

صمت دولي أم تواطؤ؟

وانتقد منصور صمت المجتمع الدولي حيال هذا التصعيد المحتمل، معتبراً إياه “تواطؤاً ضمنياً مع كارثة بيئية وصحية قد تُغيّر وجه المنطقة لعقود”. وقال: “ضرب المفاعلات الإيرانية لن يكون مجرد عمل عسكري محدود، بل بداية لكابوس بيئي وصحي سيتوارثه الأبرياء جيلاً بعد جيل”.

الخلاصة: لا رابح في الكارثة

وختم منصور تصريحه بالقول: “في ظل نزاعات لا تنتهي وحدود تتآكل بفعل الطائرات المسيّرة والصواريخ، يبقى الغبار النووي هو الرسالة الأبلغ: الطبيعة لا تفهم لغة القومية، والكوارث لا تميز بين عدو وصديق”.

وأضاف: “قد يرى البعض في ضرب المفاعلات الإيرانية وسيلة لوقف طموحات طهران النووية، لكن الثمن البيئي والإنساني لهذه الضربات قد يكون أفدح بكثير من أي مكاسب سياسية. فالغبار النووي لن يميز بين إيراني وعربي، ولن يتوقف عند الحدود المرسومة على الخرائط. الكارثة حين تحل، تطال الجميع”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *