10 أغسطس، 2025
البترول مقالات موسوعة وأبحاث الطاقة

دكتور جيولوجي أحمد مصطفى يكتب: جبل الزيت.. وميلاد صناعة البترول في مصر «الحلقة السابعة»

بوابة الدخول الأولى.. من الخوذة إلى الخرائط

في منتصف شهر مايو عام 2008، استلمت عملي في شركة الحفر المصرية، وكانت تلك اللحظة بمثابة البوابة الأولى التي فتحت لي الطريق لدخول عالم البترول المصري.
ذهبت إلى المقر الرئيسي للشركة لاستلام عدّتي الأساسية: عدد ٢ أفارول، خوذة، سيفتي، وأدوات السلامة اللازمة للانضمام إلى فريق حفر آبار البترول بإحدى الحفارات البرية في الصحراء الغربية.
من خلال تلك التجربة الميدانية، تعرّفت على جميع أجزاء جهاز الحفر، وشاهدت عن قرب معظم معدات التسجيلات الكهربائية داخل الآبار. كانت الشهور القليلة التي قضيتها مع عمال الحفر بمثابة فترة تمهيدية، أو “مرحلة انتظار” قبل أن أبدأ عملي الرسمي كجيولوجي استكشاف في المكتب.
وأنا في طريق السفر بالحافلة إلى موقع الحفر، ظل سؤالٌ يراودني:
“ما شكل الموقع الذي سنعيش فيه ونعمل به وسط هذه الصحراء؟ هل هي خيام ومخيمات مثل التي نراها في أفلام مغامرات الصحراء؟”
لم تكن لدي صورة ذهنية واضحة أو مريحة عن الإعاشة في مواقع الحفر.
وما إن وصلنا إلى الموقع، حتى استُقبلنا كأننا قادمون من معركة منتصرون.. رأيت الطاقم الذي يستعد للمغادرة إلى الإجازة يودّعنا بابتسامة صافية، وكأنهم يتركون خلفهم تجربة غنية، فرحين بعودتهم إلى أهلهم وأبنائهم، ومطمئنين إلى أنهم أدّوا واجبهم وسط الصحراء.
أول مكان دخلته بصحبة زميلي في الحافلة كان “الميز” – وهو الكارافان الذي نأكل فيه. فُوجئت بنظافته، وبتجهيزه الجيد، وبوجبات شهية طازجة تُعد داخل هذا المكان، في قلب صحراءٍ كنت أظنها قاحلة جافة.
هل هي تعويضات عن البُعد؟ عن الساعات الطويلة في العزلة، والغياب عن البيوت؟ لعلها محاولة لإعادة التوازن بين مشقّة الميدان وقيمة الدور الحيوي الذي يقوم به هؤلاء الرجال لاستخراج وقود الحياة؟ هذا الوقود الذي يُشغّل وسائل المواصلات والطائرات، ويُولِّد الكهرباء، ويُحرك عجلة الحياة الحديثة بكل تفاصيلها؟
تذكرت تلك التجربة بعد سنوات، عندما كنت في زيارة إلى منطقة جبل الزيت، فرأيت خلف الجبل مجموعة من بقايا غرف حجرية صغير بدون أسقف، تقع بجوار مناطق النشع البترولي، وتُطِل على مياه خليج السويس الساحرة.
تساءلت حينها:
هل كانت هذه الغرف هي مساكن عمال الحفر الأوائل؟ أولئك الذين حفَروا أولى الآبار بأدوات بدائية، تعمل بالبخار، في زمنٍ كانت فيه أعماق الحفر الضحلة تستغرق أكثر من عام!لكن، ماذا كانوا يفعلون بالبترول؟
إذا كان اكتشاف البترول في مصر قد بدأ فعلاً عام 1886، فماذا كانوا يفعلون بهذا السائل الأسود في زمن لم تنتشر فيه السيارات بعد، ولم تُعرف فيه الطائرات؟
هذا سؤال كبير سنحاول الإجابة عليه في الحلقة الثامنة، حين نتحدث عن تطور استخدام البترول عبر العصور…

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *