10 أغسطس، 2025
البترول مقالات موسوعة وأبحاث الطاقة

دكتور جيولوجي أحمد مصطفى يكتب: جبل الزيت.. وميلاد صناعة البترول في مصر «الحلقة الثامنة»

من وقودٍ مُهمل إلى شريان حياة.. كيف غيّر البترول وجه العالم؟

مع نهاية القرن التاسع عشر، وبينما كانت الثورة الصناعية تعيد تشكيل العالم، سُجّل أول اكتشاف فعلي للبترول في مصر عام 1886، في منطقة جمسة جنوب غرب خليج السويس.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو:

ما جدوى البترول في زمن لم تُعرف فيه بعد السيارات ولا الطائرات، ولا حتى الكهرباء كما نعرفها اليوم؟

في تلك المرحلة، لم يُنظر إلى البترول باعتباره “ذهبًا أسود”، بل مادة ثانوية مزعجة، تتدفق أثناء محاولات حفر الآبار الضحلة بحثًا عن المياه أو المعادن.

وفي بعض الحالات، كان يُجمع في زجاجات ويُباع على أنه زيت للإنارة، أو علاج للروماتيزم، أو كمطهر للجروح.

ومع ذلك، بدأ هذا السائل الأسود يغيّر مسار التاريخ…

فمع اختراع المصباح الذي يعمل بالكيروسين، ثم ظهور محرك الاحتراق الداخلي، بدأ البترول يشق طريقه نحو أن يصبح القلب النابض للصناعة الحديثة.

وبحلول أوائل القرن العشرين، تحوّل إلى الوقود المفضل لتشغيل السفن، ثم السيارات، ولم يعد مجرّد ظاهرة جيولوجية مثيرة، بل أصبح سلعة استراتيجية تُشكّل التحالفات، وتُشعل الحروب، وتوجّه الصناعات.

وفي مصر، لم تكن رحلة البترول بمنأى عن هذه التحولات العالمية.

فمن استخدام محدود داخل امتيازات الشركات الأجنبية، بدأت الصناعة تأخذ طابعًا إنتاجيًا، وتدريجيًا دخلت البلاد مرحلة الإنتاج التجاري، وتشكّل الوعي الوطني بقيمة هذه الثروة الحيوية.

أما من الناحية التاريخية، فالمثير للاهتمام أن العلاقة بين المصريين والبترول لم تبدأ في العصر الحديث.

فرغم أن المصريين القدماء لم يمتلكوا أدوات الحفر الحديثة، فإنهم استفادوا من النشع الطبيعي للبترول والمواد القطرانية التي كانت تتسرب من خلال الصدوع إلى سطح الأرض.

وقد استخدموها في التحنيط وطلاء السفن وبعض الطقوس الدينية، ما يجعلهم من أوائل الشعوب التي أدركت القيمة الرمزية والعملية لهذه المواد.

لقد وظّف المصريون القدماء الراتنجات والزيوت والقطران في خلطات دقيقة للتحنيط، بهدف حفظ الجسد من التحلل، وهي ممارسة تُعد من أقدم التطبيقات العملية للزيت الطبيعي في التاريخ البشري.

وتمثل تلك الاستخدامات المبكرة جذورًا عميقة للعلاقة بين الإنسان ومصادر الطاقة في بيئته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *