7 أغسطس، 2025
البترول مقالات موسوعة وأبحاث الطاقة

دكتور جيولوجي يكتب: أحمد مصطفى جبل الزيت وميلاد صناعة البترول في مصر «الحلقة الخامس»

مفتاح المقبرة الجيولوجية

في مارس 2021، تم تكليفي بمتابعة حفر بئر ضمن برنامج استكشافي يشمل حفر بئرين، وكان هذا هو البئر الثاني، ويقع شمال حقل عش الملاحة بحوالي 10 كيلومترات.
ما إن وصلت إلى موقع البئر حتى شدّ انتباهي هذا المشهد الخلاب، كما يظهر في الصورة المرفقة، حيث يتجلّى أمامنا مقطع طبقي واضح من عصر الميوسين. يتوسط هذا المقطع طبقة الحجر الجيري الشعابي (Reefal Limestone)، وهي من أجود أنواع الصخور الخازنة للنفط على مستوى العالم، وقد تناولنا أهميتها في الجزء الثالث من هذه السلسلة.
ما يثير الدهشة أن هذه الطبقة لم تكن ظاهرة من قبل، بل كانت مغطاة بطبقات أخرى. ولولا أعمال التسوية وتجهيز الموقع لنقل معدات الحفر، لما كُشف النقاب عنها بهذا الوضوح. وكأنها ظهرت فجأة لتهمس لنا بسرّ جيولوجي ثمين، ربما يؤكد امتدادها إلى القطاع البحري من خليج السويس.
إن البحث عن النفط تحت سطح الأرض لا يقل تعقيدًا عن فك طلاسم المقابر الفرعونية. ولكي نصل إلى “كنز” النفط، علينا أن نكشف بوابات الطبقات واحدة تلو الأخرى حتى نبلغ الخزان. وما رأيته هنا يشبه إلى حدٍّ بعيد “مفتاح” تلك المقبرة – مفتاحًا جيولوجيًا يشير إلى ما قد يكون خزانًا غنيًا ينتظر من يكتشفه.
ورغم أن الشركة لم تتمكن من اختراق هذه الطبقة أثناء البرنامج نتيجة بعض التحديات الفنية أثناء الحفر، إلا أن السؤال ما زال قائمًا:
هل تختبئ تحت أقدامنا طبقة مماثلة… وربما أكثر سمكًا… تحمل في أعماقها بوابة المقبرة الحقيقية؟
تُعتبر طبقة الحجر الجيري الشعابي (Reefal Limestone) من أبرز الصخور الخازنة للبترول، حيث تتكوّن من تراكمات شعاب مرجانية وكائنات بحرية دقيقة ترسّبت في بيئات ضحلة ودافئة. وتمتاز هذه الصخور بمسامّية عالية (تصل أحيانًا إلى أكثر من 20%) وبنفاذية جيدة، نتيجة الفجوات بين الهياكل المرجانية والأصداف، ما يجعلها وسطًا مثاليًا لتخزين وتدفق الهيدروكربونات.
وقد لعبت الصخور الشعابية دورًا أساسيًا في اكتشافات بترولية ضخمة على مستوى العالم، مثل:
حقل الغوار في المملكة العربية السعودية، الذي يُعد أكبر حقل بترول في العالم، وتُنتج أجزاء منه من خزان كربوناتي شعابي ضمن تكوينات الجوراسي.
هذه الأمثلة تؤكد أن الصخور المرجانية القديمة تمثل “بوابات خفية” للثروات النفطية، تختبئ تحت سطح الأرض في صمت، منتظرة من يكتشفها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *