في بيئة العمل، نُحب أن نكون دائمًا على استعداد، منظمين، نعرف الخطة ونسير عليها.
لكن الحقيقة أن الحياة لا تسير دومًا وفق الخطة،
وفي لحظة واحدة، قد يتغير كل ما اعتدنا عليه.
تلك هي اللحظة التي نُسميها “أزمة”.
ولا يشترط أن تكون الأزمة كارثة ضخمة،
قد تكون شيئًا بسيطًا في نظر البعض،
لكنها تُؤثّر على الناس، على نفسياتهم، على استقرارهم، وعلى قدرتهم على الاستمرار.
فما معنى إدارة الأزمة؟
أن تتصرف وأنت متزن… حتى وإن كنت من الداخل تشعر بالتوتر.
أن تنظر من حولك وتفهم ما الذي حدث،
ثم تسأل نفسك:
“كيف أُشعر من حولي أن هناك من يمسك بزمام الأمور، وأننا سنتجاوز هذه المرحلة؟”
ليس من الضروري أن تملك كل الإجابات،
لكن من الضروري أن تكون حاضرًا، واضحًا، موجودًا،
لا صامتًا… ولا غائبًا.
إدارة الأزمة ليست براعة في الورق… بل براعة في التعامل مع الناس.
نعم، الخطة مهمة، والاستعداد مهم،
لكن في وسط الأزمة، الناس لا تتذكر الخطوات…
بل تتذكر من وقف معهم، من طمأنهم، من لم يستغل الموقف،
ومن حافظ على احترامه لهم وسط الارتباك.
مفاتيح التعامل الناجح مع الأزمات:
• لا تتأخر في اتخاذ القرار… ولكن لا تتسرع.
• تحدث مع فريقك، حتى وإن لم تكن تملك الحل… يكفي أنك موجود.
• اعلم أن كل شخص يمر بالأزمة بطريقته الخاصة،
فحاول أن تحتوي الجميع… لا أن تُحاسبهم.
وماذا بعد تجاوز الأزمة؟
لا تُعد الأمور كما كانت فقط وتنتهي.
اسأل نفسك وفريقك:
• “ماذا تعلمنا؟”
• “ما الذي سهّل الموقف؟”
• “وما الذي لو كنا فعلناه مبكرًا لأحدث فرقًا؟”
وسجّل هذه الدروس، ليس من أجل ملف رسمي…
بل من أجلك، ومن أجل من يأتي بعدك،
ومن أجل ألا تتعثر المؤسسة في نفس الحفرة مرة أخرى.
والخلاصة ببساطة:
إدارة الأزمات ليست مجرد فن إداري،
بل مسؤولية أخلاقية، ونضج، وضمير حي.
قد تتجاوز الأزمة وأنت ملتزم بالقوانين،
لكن الناس يتذكرون قسوتك.
وقد تخطئ، لكنك كنت إنسانًا، حاضنًا، موجودًا…
فيتذكّرك الناس بأنك “كنت معهم”.
وتلك هي الفارق الحقيقي… في العمل وفي الحياة.
⸻
د. حمدي الهراس
كاتب في تطوير الأداء الإداري والصناعي
dr.hamdyelharras@gmail.com