في عالم المؤسسات، لا يكون الفشل دائمًا بسبب نقص الموارد أو ضعف الإمكانيات، بل أحيانًا بسبب من يقفون في طريق النجاح عمدًا. هناك من يخافون التميز لأنه يذكّرهم بعجزهم، ومن يرفضون التجديد لأنه يُهدد وجودهم في مناطق الراحة التي اعتادوها. هؤلاء لا يعملون لبناء المؤسسة… بل لحماية أماكنهم داخلها.
ثقافة مقاومة النجاح
في بعض بيئات العمل، النجاح لا يُكافأ، بل يُراقَب بعين الريبة.
حين يُظهر أحد العاملين تميزًا أو أداءً استثنائيًا، تبدأ النظرات تتغير، والهمسات تنتشر، وكأن التفوق أصبح خطرًا على النظام القائم.
هذه الثقافة لا تُنتج إلا بيئة خانقة، يُكافأ فيها الولاء الأعمى، ويُهمَّش فيها أصحاب الكفاءة، فتتحول المؤسسة من كيان منتج إلى مسرح للصراعات الصغيرة.
من أين تبدأ العدوى؟
العدوى تبدأ من الإدارة الضعيفة التي تخشى من بروز الآخرين.
القائد الواعي لا يخاف أن يلمع من حوله، لأنه يدرك أن كل نجاح داخل الفريق ينعكس عليه وعلى المؤسسة ككل. أما المدير المتردد، فيرى نجاح الآخرين تهديدًا لوجوده، فيُطفئ أي نور يظهر، ولو كان منبعًا لخيرٍ كبير.
النتائج الكارثية لهذه الثقافة
1. نزيف الكفاءات: يغادر أصحاب الموهبة بحثًا عن بيئة تُقدّرهم.
2. جمود الإبداع: لا أحد يجرؤ على التفكير خارج الصندوق خوفًا من أن يُحارب.
3. تآكل روح الفريق: يتحول التعاون إلى صراع خفي، والاحترام إلى مجاملة متصنعة.
4. فقدان الثقة في العدالة المؤسسية: حين يرى الموظفون أن التميز لا يُكافأ، يفقدون الدافع لبذل الجهد.
الطريق نحو بيئة صحية
• احترام التميز لا محاربته.
• تحفيز المبادرات الفردية بدلًا من خنقها.
• تعليم القادة مهارة إدارة النجاح الجماعي، لأن القيادة ليست منافسة بل رعاية.
• تأسيس نظم تقييم شفافة تُكافئ الأداء الحقيقي لا العلاقات أو الولاءات.
رسالة لكل قائد
النجاح لا يُهدد أحدًا، بل يرفع الجميع. والقائد الواعي هو الذي يزرع الثقة في نفوس فريقه، ويُحول الغيرة السلبية إلى طاقة إيجابية تدفع المؤسسة للأمام. أما من يحارب النجاح، فهو في الحقيقة يُحارب مستقبل مؤسسته بيديه.
⸻
د. حمدي الهراس
كاتب في تطوير الأداء الإداري والصناعي والإنساني
📧 dr.hamdyelharras@gmail.com