9 يونيو، 2025
مقالات

دكتور زين الدين جمعة النيدي يكتب:  تحرير سيناء.. ملحمة وطن ومجد لا يُنسى

في كل عام، يُطل علينا الخامس والعشرون من أبريل، حاملاً عبق التاريخ وذاكرة النصر الخالد، يومٌ سطّرته مصر بأحرف من ذهب على رمال سيناء الطاهرة. إنه يوم تحرير سيناء، اليوم الذي استعادت فيه مصر كامل ترابها الوطني، لتبدأ صفحة جديدة من صفحات المجد والكرامة الوطنية.

سيناء، الأرض التي باركها الله، لم تكن يومًا مجرد موقع جغرافي على الخريطة، بل كانت – وستظل – رمزًا للتحدي، وساحة للبطولة، وميدانًا جسّد فيه المصريون أعظم ملاحم الصمود والفداء. بدأت رحلة التحرير بعد نكسة يونيو 1967، حين احتلت القوات الإسرائيلية شبه جزيرة سيناء. لكن الشعب المصري لم يعرف يومًا معنى الانكسار، ورفض أن يرضى بالهزيمة.

انطلقت مصر حينها في مسيرة إعادة بناء قواتها المسلحة، مدفوعة بإرادة لا تلين، وتخطيط علمي دقيق، وتدريب صارم، أثمر نصر أكتوبر المجيد عام 1973، حين عبر الجنود المصريون قناة السويس، واقتحموا خط بارليف الحصين، في معركة غيرت معادلات التاريخ، وأدهشت العالم كله.

لكن ملحمة التحرير لم تنتهِ عند حدود المعركة العسكرية، بل امتدت إلى معركة تفاوضية وسياسية وقانونية، خاضتها الدولة المصرية بشجاعة لا تقل عن بسالة الميدان. فجاءت اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، التي أعادت الجزء الأكبر من أرض سيناء، ثم جاء التحكيم الدولي ليعيد طابا في عام 1989، مكتملًا بذلك الإنجاز الوطني العظيم، ورافعًا راية السيادة المصرية خفاقة على كل شبر من أرض سيناء.

لم يكن تحرير سيناء استردادًا لأرض فحسب، بل كان استعادة لكرامة، وتجسيدًا لإرادة لا تُقهر، ودليلًا على أن مصر، جيشًا وشعبًا وقيادة، لا تعرف المستحيل. وها نحن نذكر بكل فخر أرواح الشهداء الذين جادوا بحياتهم فداءً للوطن، فهنيئًا لهم الخلود، وسلامًا على ذكراهم العطرة.

واليوم، ونحن نحتفل بذكرى هذا النصر، فإننا نستشعر حجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا تجاه هذه الأرض الغالية، التي تحولت من ميدان قتال إلى ميدان بناء وتنمية. فسيناء اليوم تمثل مستقبلًا اقتصاديًا وتنمويًا واعدًا، بما تمتلكه من موقع استراتيجي وثروات طبيعية وإمكانات بشرية هائلة. ومن هنا، جاءت خطط الدولة لمد جسور التنمية إلى سيناء، لتصبح بحق بوابة الأمل نحو مستقبل أفضل.

إن ذكرى تحرير سيناء ليست مجرد احتفال عابر، بل هي درس بليغ في الوطنية، ودعوة متجددة لحماية هذا الوطن، وتأكيد على أن الحقوق لا تُمنح، بل تُنتزع، وأن إرادة الشعوب لا تُهزم إذا ما توفرت لها القيادة الرشيدة والعزيمة الصلبة.

كل عام وسيناء حرة أبية… وكل عام ومصر في عزة وكرامة وازدهار.

…….

كاتب المقال:  

دكتور زين الدين جمعة جاد النيدي
مدير إدارة بشركة سوكو للبترول – دكتوراه في إدارة الأعمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *