8 ديسمبر، 2025
مقالات

دكتور مصطفى الشرقاوي يكتب: أم الدنيا تعبر الألفية بقيادة سياسية حكيمة

شهدت مصر خلال السنوات الأخيرة تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تحولاً شاملاً على مختلف الأصعدة، يمكن وصفه بـ “نهضة اقتصادية وعمرانية” شاملة. لم تقتصر هذه الجهود على معالجة التحديات الراهنة فحسب، بل امتدت لتؤسس لبنية قوية قادرة على استيعاب تطلعات الأجيال القادمة والتصدي للمخاطر المستقبلية، بما يضمن استقرار البلاد على مدار ألف عام قادم
كانت عودة السياحة إلى معدلاتها الطبيعية وزيادتها أحد أهم أهداف النهضة الاقتصادية، باعتبارها رافدًا رئيسيًا للعملة الصعبة ومحركاً لـ 70 صناعة تكميلية. وقد تأسس هذا الهدف على ركيزتين أساسيتين .. الأمن الذي عاد بقوة بعد جهود مكافحة الإرهاب، والبنية التحتية السياحية المتطورة.
ويأتي المتحف المصري الكبير كأكبر إنجاز ثقافي وسياحي عالمي حديث، حيث افتتح رسميًا في الأول من نوفمبر 2025 (وفقًا لإحدى النتائج)، ليشكل نقطة جذب غير مسبوقة. هذا المتحف العملاق، بجوار أهرامات الجيزة، ليس مجرد معرض للآثار، بل هو استراتيجية بيئية واقتصادية متكاملة تهدف إلى تعزيز السياحة المستدامة في المنطقة. كما ساهمت مشروعات تطوير القاهرة التاريخية والمناطق التراثية الأخرى في تحويل العاصمة إلى مركز ثقافي وحضاري عالمي.
وأدركت القيادة السياسية أن البنية التحتية هي الشريان الذي تبنى على أساسه كل برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وعليه، تم إنفاق حوالي 400 مليار دولار على تطوير مشروعات البنية التحتية في سنوات قليلة.
وقد شهد قطاع الطرق والكباري ملحمة تنموية، حيث تم تخطيط وإنشاء حوالي 7000 كم من الطرق الجديدة، بالإضافة إلى تطوير ورفع كفاءة 10,000 كم من شبكة الطرق القائمة. هذه الشبكة العملاقة لم تهدف فقط لفك الاختناقات المرورية، بل لربط مراكز النشاط الاقتصادي ببعضها، وتعزيز فرص الاستثمار المحلي والأجنبي، والخروج من الوادي الضيق لتعمير مناطق جديدة مثل شمال سيناء والصحراء الغربية، مما أدى إلى تحسين ترتيب مصر في مؤشر جودة الطرق العالمي بـ 90 مرتبة.
وتزامنت هذه المشروعات الضخمة مع تطبيق خطة إصلاح اقتصادي جريئة. وعلى الرغم من التحديات، إلا أن المواطن المصري تجاوب مع تلك الإصلاحات عندما لمس جدية الدولة في التنفيذ. وقد ظهرت ثمار تلك الجهود في تحسن المؤشرات، ومنها الجهود المستمرة لضبط سوق الصرف، والتي تهدف إلى هبوط سعر الدولار مقابل الجنيه، وهي عملية مرتبطة بزيادة الإنتاج المحلي (الزراعي والصناعي) وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ونجاح قطاع السياحة، لتقليص فاتورة الاستيراد وتوفير العملة الصعبة.
وتعتبر قضية المياه أمنًا قوميًا مصريًا، خاصة في ظل تحديات مثل سد النهضة الإثيوبي. لم تعتمد الدولة على المسار الدبلوماسي والمفاوضات فحسب، بل اتخذت إجراءات استباقية لمواجهة أي آثار سلبية حال انهيار سد النهضة أو تأثيره السلبي على حصة مصر من المياه، وهو ما حذر منه العديد من الفنيين والمتخصصين.
وتضمنت استراتيجية المواجهة
المشروع القومي لتبطين الترع .. لترشيد استهلاك المياه وتوفير كميات هائلة من المياه المهدرة.
محطات التحلية والمعالجة الثلاثية .. لضمان توفير مياه صالحة للري والشرب، واستخدام مياه الصرف المعالجة في التوسع الزراعي.
وشق الترعة التي تم حفرها مؤخرًا (القنوات البديلة) .. لتفعيل نظام رصد وإدارة فائض مياه النيل، مثل توجيه الفائض نحو منخفضات توشكى ومشاريع الاستصلاح، وهذا يهدف إلى استيعاب الأزمات المحتملة والحفاظ على مخزون السد العالي، وتحويل الخطر إلى فرصة اقتصادية وزراعية.
ولم تغفل النهضة البعد الاجتماعي، حيث تم توجيه جهود مكثفة لمشاريع الإسكان الاجتماعي وتوزيع الأراضي لتمكين المواطنين من امتلاك مسكن لائق ، وقد شملت هذه المبادرات …
مشروع “حياة كريمة” … لتطوير الريف المصري والارتقاء بمستوى معيشة عشرات الملايين من المواطنين بالاضافة الي
طرح الأراضي السكنية “برنامج مَسكن” .. الذي يهدف إلى توفير قطع الأراضي الصغيرة للأفراد في مختلف المدن الجديدة، موزعة على فئات (متوسطة، ومتميزة، وأكثر تميزًا) بأسلوب ميسر وعادل، مما يدعم التوسع العمراني المتوازن
بناء مدن جديدة .. مثل العلمين الجديدة والعاصمة الإدارية، والتي تشمل وحدات سكنية فاخرة واجتماعية، مع التركيز على تطوير مناطق عشوائية مثل “مثلث ماسبيرو”.
وتظل قوة الجيش المصري هي الضامن الرئيسي لأمن واستقرار البلاد وحدودها المترامية الأطراف، وحماية المكتسبات التنموية ، إن التحديث المستمر لقدرات الجيش لا يمثل مجرد حماية للوطن، بل هو ركيزة أساسية لخلق البيئة الآمنة والمستقرة التي مكنت كل هذه المشروعات القومية من الانطلاق والنجاح، وهو ما يعكس ترابط الأمن القومي بالتنمية المستدامة.
وختامًا .. فإن هذه الإنجازات المتنوعة تمثل محاور رؤية متكاملة تتجاوز التخطيط الخماسي أو العشري، لتضع مصر على طريق الاستقرار والنضج التنموي، مما يؤهلها لمواجهة تحديات الألفية القادمة بثقة واقتدار.
_____
دكتور مصطفى الشرقاوي
أستاذ الإعلام والاتصال الدولي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *