20 نوفمبر، 2025
مقالات

د. حمدي الهراس: لماذا تنهار بيئات العمل القوية بسبب مدير واحد؟… قراءة في أثر المدير الهدّام

في كل مؤسسة ناجحة، هناك منظومة متكاملة من السياسات والخبرات والكوادر التي تبني القوة الحقيقية للمكان. لكنّ الواقع يُعلّمنا أن هذه المنظومة قد تُصاب بالخلل فجأة… ليس بسبب نقص الموارد، ولا بسبب ضعف العاملين، بل بسبب وجود مدير واحد لا يدرك أن القيادة مسؤولية وليست سلطة، وبناء وليست هدمًا.

هناك نوع من المديرين لا يرفع المؤسسة، بل يثقلها. لا يجمع الفريق، بل يفرّقه. لا يُطلق الطاقات، بل يطفئها واحدة تلو الأخرى. هذا هو “المدير الهدّام” الذي قد يُسقط أفضل الفرق وأكثر الإدارات صلابة.

كيف يُفسد مدير واحد بيئة كاملة؟

1) السيطرة بدلًا من القيادة

المدير الهدّام يخلط بين الإدارة والتحكم.
يعتقد أن فرض الخوف هو الطريق الأقصر للإنجاز، وأن الصمت علامة احترام، وأن المبادرات الجريئة تهديد مباشر لمكانته. والنتيجة؟
فريق يعمل بحدّه الأدنى، ينتظر التوجيه، ويتجنب التفكير المستقل.

2) قتل الدافعية بإغفال التقدير

حين لا يسمع الموظف كلمة تقدير، يصبح الإنجاز بلا قيمة.
المدير الهدّام يتعامل مع العمل وكأنه مهمة آلية، في الوقت الذي يحتاج فيه الإنسان لكلمة واحدة ترفع روحه وتجعله يضاعف جهده.
وحين يغيب التقدير… تبدأ الطاقات في الذبول.

3) خلق بيئة نفسية خانقة

الخوف لا يصنع إنتاجًا… يصنع أخطاء.
وحين يخشى الفريق قول الحقيقة أو الاعتراف بمشكلة أو اقتراح حل، تتحول المؤسسة إلى غرفة مغلقة لا يصل إليها النور.
والمؤسسات لا تنهار فجأة… بل تنهار يومًا بعد يوم تحت ضغط الصمت.

4) تعطيل الكفاءات لخدمة المصالح الشخصية

المدير الهدّام يرى أصحاب المهارات تهديدًا، فيقوم بتهميشهم أو إبعادهم أو سحب صلاحياتهم.
وبذلك، يفقد المكان أفضل ما لديه:
العقول التي يمكن أن تصنع الفرق.

كيف نواجه هذا النوع من المديرين؟

١) إعادة تعريف القيادة داخل المؤسسة

القيادة ليست منصبًا… القيادة سلوك.
لا بد أن يتحول تقييم المديرين من تقييم ورقي إلى تقييم مبني على أثرهم الحقيقي على الفريق.

٢) رفع صوت الموظف

وجود قنوات آمنة للتعبير عن المشكلات — دون خوف — هو الضمان الأول ضد تدمير البيئة النفسية.
المؤسسة التي تسمع… تستطيع أن تُصلح.
والمؤسسة التي تغفل… تكرر الأخطاء نفسها.

٣) تطوير القيادات وليس ترقيتها بلا معايير

ترقية شخص بلا كفاءة إلى منصب قيادي هو أخطر استثمار خاطئ يمكن أن تقوم به أي مؤسسة.
التدريب الحقيقي، والتقييم المستمر، وبرامج إعداد القادة ليست رفاهية… بل ضرورة.

٤) بناء ثقافة احترام الإنسان

المؤسسة التي تَعلم أن العاملين ليسوا أرقامًا، هي التي تبقى.
وحين يشعر الفرد بأنه جزء من كيان عادل — يكبر، ويكبر معه المكان.

وأخيرًا

مدير واحد قادر على أن يهدم ما بناه العشرات.
وقائد واحد قادر على أن يُحيي ما ظنه الآخرون قد مات.

الفرق بين الاثنين ليس مناصب ولا شهادات… بل “وعي”.
وعي بأن الناس هم الثروة الحقيقية، وأن بناء البيئة الصحية هو الطريق الوحيد لنجاح طويل لا يهزه الزمن.

د. حمدي الهراس
كاتب في تطوير الأداء الإداري والصناعي والإنساني
📧 dr.hamdyelharras@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *