في المؤسسات، لا ينهار الأداء فجأة، بل يذبل تدريجيًا حين يغيب القائد الحقيقي. ذلك الغياب لا يكون بالضرورة جسديًا، بل قد يكون غيابًا في الوعي، في الفهم، في الإحساس بالناس. عندها تتحوّل بيئة العمل من منظومة نابضة بالحياة إلى مساحة مليئة بالتوتر، الصمت، والمجاملات الميتة.
القائد ليس مديرًا… والمدير ليس بالضرورة قائدًا
الفرق بينهما جوهري:
المدير يُصدر أوامر، بينما القائد يُلهم.
المدير يُدير المهام، والقائد يُدير الإنسان قبل المهمة.
في كل مؤسسة ناجحة، ستجد أن القائد هو من يمنح العاملين شعورًا بالأمان والثقة والانتماء. أمّا حين يغيب، فحتى أكثر الأنظمة دقةً ستتعطّل، لأن البشر لا يعملون بالكهرباء، بل بالمشاعر.
النتائج حين يغيب القائد
حين تُدار المؤسسة بعقلية “نفّذ ولا تُجادل”، تبدأ الأضرار في الظهور:
• تراجع روح الفريق: يتحوّل العمل إلى جزر منفصلة، لا يربطها سوى الشكليات.
• غياب الإبداع: الموظفون يتوقفون عن اقتراح الجديد خوفًا من العقاب أو التجاهل.
• الولاء المزيّف: الناس تبتسم في وجه الإدارة، لكنها تبحث عن فرصة للهروب.
• بيئة سامة: يتفشّى النفاق الوظيفي، وتصبح الطاقة البشرية طاقة مهدرة بدلًا من أن تكون دافعة.
القيادة الواعية: علاج السموم الإدارية
القائد الحقيقي لا يُصلح الأنظمة فقط، بل يُعيد الحياة إلى النفوس.
• يستمع أكثر مما يتكلم.
• يعترف بالخطأ قبل أن يُحاسب غيره.
• يعرف أن الأوامر لا تصنع النجاح، بل الاحترام هو الذي يصنعه.
القيادة الواعية ليست ترفًا إداريًا، بل ضرورة وجودية لأي مؤسسة تطمح للاستمرار. فحين تكون بيئة العمل صحية، يصبح كل موظف قائدًا في موقعه، وكل مهمة مشروع نجاح.
كيف نبني هذا النمط من القيادة؟
1. التدريب الحقيقي على مهارات القيادة الإنسانية، لا الاكتفاء بالدورات الشكلية.
2. اختيار القيادات بالجدارة لا بالأقدمية.
3. ربط التقييم الإداري بمدى تأثير القائد في الناس، لا بعدد الأوراق والتقارير.
4. مراجعة البيئة الداخلية دوريًا، لأنها المرآة التي تكشف صدق القيادة من زيفها.
الخلاصة
حين يغيب القائد الحقيقي، تختنق بيئة العمل، وتضيع الأهداف مهما كانت الموارد متاحة. لكن حين يحضر القائد الواعي، تتجدّد الروح، وتتحوّل المؤسسة إلى كيان نابض بالنجاح.
فالقائد لا يترك أثرًا في التقارير… بل في القلوب.
⸻
د. حمدي الهراس
كاتب في تطوير الأداء الإداري والصناعي والإنساني
📧 dr.hamdyelharras@gmail.com