في عالم صناعة المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، أصبحت كل القيم والمبادئ رهينة للشهرة والمال .. لقد تحول العديد من صُنّاع المحتوى إلى متاجر جوالة ، يستباحون أي شيء من أجل جذب المزيد من المشاهدات والإعجابات والإعلانات المدفوعة.
في مجال صناعة محتوى الطعام ، لم يعد الهدف هو تقديم محتوى هادف وإبداعي ، بل أصبح الهم الأكبر هو ترويج أي منتج أو مطعم جديد بصورة مثالية ومبالغ فيها ، مقابل الأموال الطائلة من المشاهدات والشركات الراعية لذلك. فيتم الإشادة بأي طبق أو وجبة على أنها الأفضل والأشهى حتى لو كانت في الواقع عادية أو متوسطة على أفضل تقدير. وأيضا الإشادة بالمطاعم حتى لو كانت متوسطة الجودة.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل نجد البعض لا يتردد في استغلال أي وسيلة من أجل زيادة المشاهدات والمتابعين، حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين وانتهاك خصوصياتهم وأعراضهم .. فتارة نرى منشورات تروج لإشاعات كاذبة عن خيانات زوجية أو حالات عنف أسري ، والهدف الوحيد هو جذب المزيد من المتابعين والإعجابات والدولارات.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف ، لا يُستثنى أحد ، حتى الأطفال. فأصبحنا نشاهد عائلات كاملة تعرض تفاصيل حياتها الخاصة على الملأ، بل وتصور لحظات حساسة مثل لحظة ولادة أطفالها، كل ذلك من أجل المزيد من المشاهدات والأرباح والعملة الخضراء.
ولم تسلم حتى نجوم الفن والرياضة من هذه الظاهرة المضللة، حيث انجرف البعض منهم في ترويج المنتجات والعلامات التجارية بشكل مفرط ومبالغ فيه، مقابل أموال طائلة من الشركات الراعية، متناسين تمامًا مكانتهم ودورهم كقدوة للشباب والجمهور.
إن هذه الظاهرة لا تقتصر على مجال واحد، بل تمتد إلى كافة المجالات. فكما أن صانع المحتوى قد يتحول إلى نصاب يروج لمطاعم أو منتجات متوسطة الجودة على أنها الأفضل، فإن الموظف قد يقبل الرشوة، والطبيب قد يبيع ضميره، والصيدلي قد يبيع موادًا مخدرة، والمهندس قد يغش في مواد البناء. كل هذا يحدث عندما تتحول المهن النبيلة إلى وسيلة للضحك على الناس البسطاء وخداعهم.
في كل هذه الحالات، نجد أن القيم والمبادئ قد تم استباحتها من أجل تحقيق الشهرة والثراء السريع. فأصبح الهدف الأسمى هو جمع المزيد من المشاهدات والإعجابات والدولارات، حتى لو كان ذلك على حساب الصدق والنزاهة والاحترام للآخرين.
لقد أصبح كل شيء رهينة للدولار، حتى لو كان ذلك على حساب انتهاك الحرمات والأعراض وخصوصيات الآخرين. وهذا ما حذرنا منه ديننا الحنيف ، حين قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ” (النساء: 29).
فالمال الحلال هو الذي يُكتسب بطرق شريفة ونزيهة، بعيدا عن الغش والخداع والانتهاك للآخرين.
لذلك ، فإن النصيحة لهؤلاء صُنّاع المحتوى المضلل ، ولكل من يستخدم مهنته في طريق غلط ، هي العودة إلى جادة الصواب ، والحفاظ على قيمهم وأخلاقهم ، والابتعاد عن هذه الممارسات الخاطئة التي تُستباح فيها كل المحرمات من أجل المال والشهرة. فالإبداع الحقيقي والموهبة الأصيلة لا يمكن أن تُباع بأي ثمن ، وعليهم البحث عن سبل شريفة للنجاح والتميز ، تحافظ على كرامتهم وإنسانيتهم وعدم استباحة حرمات الآخرين.