22 ديسمبر، 2024
مقالات

شحاته زكريا يكتب: ثورة 23 يوليو: لحظة تحول في تاريخ مصر والعالم العربي

شحاته زكريا يكتب: ثورة 23 يوليو: لحظة تحول في تاريخ مصر والعالم العربي

في فجر يوم 23 يوليو 1952 .. استيقظت مصر على صوت بيان الثورة يذاع من الإذاعة المصرية كانت تلك اللحظة بداية فصل جديد في تاريخ مصر والعالم العربي فصل كُتب بحروف من نور وظلال ، بأحلام وتحديات بإنجازات وإخفاقات .. لنبحر معا في قصة هذه الثورة ونستكشف أبعادها المختلفة بنظرة جديدة ومتعمقة.

الجذور العميقة للتغيير:
لم تكن ثورة 23 يوليو وليدة لحظتها، بل كانت ثمرة لسنوات من التراكمات تخيل معي مصر في أواخر الأربعينيات: شوارع القاهرة تعج بالحياة لكن تحت السطح يغلي بركان من الغضب الشعبي .. الاحتلال البريطاني يجثم على صدر الوطن والفساد يستشري في أروقة القصر الملكي، والفقر ينهش في لحم الطبقات الكادحة .. كان المشهد أشبه بلوحة سريالية ، تمتزج فيها ألوان الترف الملكي مع ظلال البؤس الشعبي.

الضباط الأحرار: حلم التغيير
وسط هذا المشهد المضطرب برزت مجموعة من الضباط الشباب ، يحملون في قلوبهم حلما كبيرا للتغيير كانوا كالشعلة المتقدة في ليل مظلم يجمعهم حب الوطن والرغبة في تحريره من براثن الاستعمار والظلم قادهم جمال عبد الناصر ذلك الشاب الكاريزمي الذي امتلك القدرة على إلهام الجماهير وتحريك المشاعر.

لحظة الحسم:
في تلك الليلة الصيفية من يوليو تحرك الضباط الأحرار بهدوء وحسم كانت خطواتهم مدروسة بعناية ، كأنهم يلعبون مباراة شطرنج معقدة مع التاريخ .. استولوا على مراكز القيادة الرئيسية وأعلنوا بيان الثورة الذي صاغه أنور السادات بكلمات حماسية أشعلت الحماس في قلوب الملايين.

التحولات الكبرى:
مع نجاح الثورة بدأت مصر تشهد تحولات جذرية إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية كان بمثابة كسر لقيود الماضي. الإصلاح الزراعي أعاد توزيع الثروة وغير وجه الريف المصري .. التصنيع والمشاريع الكبرى، وعلى رأسها السد العالي ، كانت بمثابة إعلان عن ميلاد مصر جديدة تتطلع نحو المستقبل بثقة وطموح.

البعد القومي والعربي:
لم تكن ثورة 23 يوليو مجرد حدث مصري بل كانت شرارة أشعلت الحماس في كل أرجاء العالم العربي .. صوت عبد الناصر الجهوري ، وهو يتحدى الاستعمار ويدعو للوحدة العربية كان يتردد صداه من المحيط إلى الخليج كانت تلك اللحظة كأنها حلم طال انتظاره ، حلم الأمة العربية بالتحرر والوحدة والكرامة.

التحديات والإخفاقات:
لكن كما هو حال كل الثورات ، واجهت ثورة يوليو تحدياتها وإخفاقاتها .. الحريات السياسية تراجعت والديمقراطية غابت عن المشهد .. النكسة في 1967 كانت ضربة قاسية للحلم القومي .. كان المشهد أشبه بمسرحية تراجيدية بدأت بأحلام كبيرة وانتهت بخيبات أمل مريرة.

الإرث المستمر:
رغم كل التحديات والانتقادات يظل إرث ثورة 23 يوليو حيا في الوجدان المصري والعربي. إنها قصة تذكرنا بقوة الأحلام وقدرة الشعوب على صنع التغيير .. إنها درس في أهمية الموازنة بين الطموحات الكبرى والواقعية السياسية.

خاتمة:
ثورة 23 يوليو ، بكل ما فيها من مجد وإخفاق ، تبقى لحظة فارقة في تاريخ مصر والعالم العربي. إنها تذكرنا بأن التاريخ لا يُصنع بالأبيض والأسود بل بظلال متعددة من الرمادي. وفي كل مرة نتأمل فيها هذه الثورة ، نكتشف جانبا جديدا من قصتنا كأمة، ونستلهم الدروس لمستقبلنا.

فلنتذكر ثورة 23 يوليو ليس كمجرد حدث تاريخي ، بل كقصة إنسانية عميقة عن الأمل والتحدي والتغيير. قصة تستحق أن تُروى وتُدرس وتُستلهم، لأنها في النهاية جزء لا يتجزأ من هويتنا وتاريخنا المشترك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *