يا لها من معضلة حقيقية نواجهها في هذا الزمان ، حيث يغلب الاهتمام بالمظاهر الخارجية على جوهر الإنسان الحقيقي! كم من الناس يضيعون وقتهم وجهودهم في تجميل مظهرهم الخارجي فحسب ، غافلين عن تزيين القلوب والعقول بمكارم الأخلاق والفضائل الحميدة.
ولعل من أبرز مظاهر هذه المعضلة هو حكم البعض على الآخرين بناء على مظهرهم الخارجي فقط ، دون النظر إلى ما يكمن خلف ذلك المظهر من صفات وأخلاق .. فكم من شخص جميل المنظر لكنه قبيح الأخلاق ، كاذب ومنافق يخون أصدقاءه ويغتابهم خلف ظهورهم؟ وكم من شخص بسيط المظهر لكنه صادق الكلمة ، أمين ، طيب القلب يتعامل مع الآخرين بإخلاص وإحترام؟
لنضرب مثالا واقعيا من حياتنا اليومية ، ألا وهو ذلك الموظف الأنيق المظهر ، الذي يحرص دائما على ارتداء أجمل الملابس وأغلاها ، لكنه في الوقت ذاته كسول وغير مجتهد في عمله ، يكذب على رؤسائه ويتملق لهم ، ويغتاب زملاءه خلف ظهورهم .. أليس هذا دليلا على أن جمال المظهر لا يعني شيئا إذا كان القلب فارغا من الأخلاق والقيم؟
من ناحية أخرى ، قد نجد ذلك العامل البسيط .. الذي ربما لا يلفت النظر بمظهره ، لكنه يتميز بأخلاقه العالية وإخلاصه في عمله وصدقه مع زملائه . ألا يستحق هذا الرجل أن نصفه بالجميل ، رغم بساطة مظهره؟
لقد قال الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم: “ولكن بُرْدَ الناس من لُبْسِ الأخلاقِ، وإنَّ الثِيَابَ لَنَأَى عنها البَلَى” فالجمال الحقيقي لا يكمن في الملابس والمظاهر ، بل في الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة. فمهما أنفقنا من المال على تجميل مظهرنا الخارجي، فإن هذا الجمال زائل لا محالة ، فالمكياج سينزاح، والشعر سيشيب ، والبشرة ستتجعد مع مرور الزمن. لكن ما سيبقى إلى الأبد هو جمال العقل والقلب وروعة الأخلاق.
لذا، علينا جميعا أن نفصل الجمال الحقيقي بعيون البصيرة، لا بعيون تُخدعها المظاهر الخارجية الزائلة. فلنرفع من شأن العقول المستنيرة والقلوب النقية ، ولنحتقر من يظن أن الجمال يكمن في المظهر الخارجي فحسب. كما قال الشاعر محمود درويش: “لا تسألني من أنا ، فإن الجواب لا يُعرف بمظهري”، فلنكن إذا من أصحاب البصائر النافذة التي ترى الحقائق كما هي بعيدا عن الأقنعة والمظاهر الخادعة.