تخيل معي هذا المشهد العظيم .. ملايين البشر من كل لون وجنس وقبيلة ، يرتدون لباسا أبيض نقيا ، تتلألأ عليهم أشعة الشمس الحارقة .. هم واقفون على صعيد واحد ، جبينُ كل واحد منهم لاصق بالتراب ، وقلبه ينبض بالخشوع لربه جل جلاله.
أين أنت من هذا المشهد الأسطوري؟ هل تستطيع تخيل نفسك واحدا من هؤلاء الملايين الواقفين في رحاب عرفات؟ أم أن روحك تطير من فرط التأثر والإعجاب بهذه المناظر الخالدة؟
لحظات عرفات تلك هي قمة الحج ومناطه ، حيث لا يبقى بين العبد وربه سوى الصدق والإخلاص .. فتتكشف النفوس وتجلي القلوب أمام بارئها ، حتى تذوب الفوارق البشرية في بوتقة التوحيد الخالص.
هناك لا ميزة لأحد على أحد إلا بالتقوى ، حيث يقف الجميع سواسية أمام الخالق المتعال .. الغني والفقير ، الأبيض والأسود ، الحاكم والمحكوم.. الكل متساوون كأسنان المشط في هذا المقام الشامخ.
هل رأيت لحظات أروع من ذلك؟ عندما يمتلئ القلب بالخشية والتقوى ، ويسبح اللسان بتسبيح الرب الأعلى؟ أم هل شاهدت منظرا أجمل من تلك الوجوه الخاشعة، والأجساد المتراصة، والأصوات المرتفعة بالتهليل والتكبير؟
إنها لحظات فريدة لا نظير لها، تحيي فيك الإيمان وتبعث في نفسك الطمأنينة .. فترى الدنيا بعين جديدة ، وكأنك ولدت من جديد وانبثقت روحك من رحم التقوى ناصعة بيضاء كالثلج.
أفلا تشتاق إلى هذه اللحظات العظيمة؟ أفلا تتوق نفسك لتلك اللقاءات المباركات مع ربك خالق الكون؟ فاسمع نداء عرفات يأتيك من القلب مباشرة: تعال واستعد لرحلة لا مثيل لها ، رحلة روحانية نحو فردوس الإيمان.
فيوم عرفة هو يوم لا ترد فيه الدعوات ، ولا تخيب فيه الآمال. إنه يوم الصيام والدعاء واستغفار الذنوب ، والتوجه الكامل إلى الله رب العالمين .. فبادر واغتنم هذه الفرصة النادرة لتنال رضا الرحمن قبل فوات الأوان.
هيا إذن نستعد للرحلة نحو مشاهد الخلود ، حيث تخلد ذكريات لا تُنسى في قلب عرفات ، محطة الإيمان الكبرى في رحلة الحج العظيمة.