21 يوليو، 2025
مقالات

شيماء سعد عبداللطيف تكتب:«رعاية البذرة الطيبة».. الصحة النفسية للطفل المسلم وواجب الأسرة في التربية

في عالم متسارع يكتظ بالتحديات، تبرز الصحة النفسية للطفل كأساس لا غنى عنه لبناء شخصية متوازنة وقادرة على مواجهة الحياة بإيمان وثبات ؛وللطفل المسلم خصوصية تنبع من عقيدته وقيمه التي تشكل رؤيته لنفسه وللعالم من حوله
هنا، يقع على عاتق الأسرة – كحاضنة أولى – واجب مقدس في تربية الطفل تربية متكاملة، تعنى بجسده وعقله وروحه ونفسه، لتنشئة فرد صالح يخدم دينه ومجتمعه.

* لماذا الصحة النفسية للطفل المسلم بالذات؟

* التأسيس الإيماني: يحتاج الطفل لفهم حب الله له، ورحمته، وعدله، ليشعر بالأمان الوجودي والطمأنينة؛

* لانتماء والهوية: في ظل تيارات العولمة والصراعات الثقافية، يحتاج الطفل لبناء هوية إسلامية قوية ومتوازنة، يشعر معها بالفخر بانتمائه دون تعصب أو انعزال.
* مواجهة التحديات المعاصرة: الضغوط الدراسية، تأثيرات وسائل التواصل، التنمر، كلها تحديات قد تؤثر سلبًا على نفسيته، ويحتاج لأدوات إيمانية ونفسية لمواجهتها.

* سلامة البناء النفسي: الطفولة هي مرحلة التأسيس؛ الإهمال أو الإساءة فيها قد تترك جروحًا عميقة تؤثر على إيمانه وسلوكه وقدرته على تكوين علاقات سليمة مدى الحياة.

* واجب الأسرة الجوهري:
تتحمل الأسرة المسلمة مسؤولية شاملة في رعاية الصحة النفسية لطفلها، تتجاوز تلبية الحاجات المادية لتشمل:

1. توفير البيئة الآمنة والمستقرة عاطفيًا:
* الحب غير المشروط: إشعار الطفل بأنه محبوب لذاته، بغض النظر عن إنجازاته أو أخطائه. تقبيله، احتضانه، والكلمات الدافئة هي سنّة وسقاية للنفس.
* الاستقرار الأسري: تجنب المشاجرات العنيفة أمامه، والحفاظ على جو من الاحترام المتبادل بين الوالدين. الطلاق العَنِيف أو التفكك الأسري من أعظم المؤثرات السلبية.
* الاستماع الفعّال: الإنصات لمخاوفه، أسئلته (حتى التي تبدو بسيطة أو محرجة)، وآرائه باهتمام دون سخرية أو تسفيه. “فليقل خيرًا أو ليصمت” يشمل حُسن الاستماع للصغير.
* التشجيع والدعم: التركيز على نقاط القوة، تشجيعه على المحاولة، والثناء على الجهود وليس النتائج فقط. “ما قال أحد : لا إله إلا الله، أخلص بها قلبه، إلا حرّم الله بدنه على النار” (والإخلاص يحتاج دعمًا).

2. لتربية الإيمانية المتوازنة:
* ربط الطفل بالله محبةً لا خوفًا فقط: التركيز على رحمة الله، نعمائه، واستجابته للدعاء؛ تجنب الترهيب المبالغ فيه الذي يولد القلق المرضي.
* القدوة الحسنة: كون الوالدين نموذجًا عمليًا للقيم الإسلامية في التعامل، الصلاة، الصدق، الأمانة، التعاطف. الطفل يقلّد أكثر مما يسمع. “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”.
* التعليم بالرفق والتدرج: تعليم العبادات والعادات وفقًا لقدرات الطفل العمرية دون إرهاق أو تعنيف. الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُلاطف الأطفال ويداعبهم.
* غرس القيم الأخلاقية: الصدق، الأمانة، الرحمة، الاحترام، العفو، الكرم. ربط هذه القيم بتعاليم الإسلام وأجرها عند الله. “إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.

3. تنمية المهارات النفسية والاجتماعية:
* تعزيز الثقة بالنفس واحترام الذات: بتوكيله مهام مناسبة، احترام خياراته (في حدود المعقول)، وتجنب المقارنة المؤذية مع الآخرين. “لا تَحقِرَنَّ من المعروف شيئًا”.
* تعليم إدارة المشاعر: مساعدته على التعبير عن غضبه، حزنه، فرحه بطرق مقبولة. تعليمه تقنيات بسيطة للتهدئة (كالتنفس، الوضوء، ذكر الله). الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُعزّي الصغار ويشاركهم فرحهم.

* تنمية مهارات التواصل وحل المشكلات: تشجيعه على التعبير عن رأيه بأدب، تعليمه فن الحوار، وكيفية حل النزاعات مع الإخوة أو الأصدقاء بطرق سلمية. “وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ”.
* تعزيز الشعور بالمسؤولية والاستقلالية: حسب عمره، بتكليفه بمهام في البيت، الاعتناء بأشيائه، واتخاذ قرارات صغيرة.

4. الحماية والوقاية:
* المراقبة الذكية (بدون تجسس مذموم): الانتباه لتغيرات سلوكه (عزلة مفاجئة، خوف زائد، عدوانية، تراجع دراسي)، فهي قد تكون إشارات استغاثة.
* الوقاية من الإساءة بكافة أشكالها: الجسدية، اللفظية (الشتائم، التحقير)، العاطفية (الإهمال، التفضيل بين الأبناء)، والجنسية. تعليمه حدود جسده وحقه في قول “لا”، وتوفير جو من الثقة ليخبر إذا تعرض لأذى. “اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم”.
* فلترة المحتوى الإعلامي: مراقبة ما يشاهده ويستخدمه على الإنترنت، وحمايته من المحتوى العنيف أو غير الأخلاقي أو المشوّه للإسلام.
* الاستعانة بالمتخصصين عند الحاجة: عدم التردد في استشارة مرشد نفسي أو طبيب نفسي متفهّم للخلفية الثقافية والدينية إذا ظهرت مشكلات نفسية تتطلب تدخلاً مهنيًا؛ فطلب العلم والعلاج من الأمور المشروعة والمطلوبة.

وأخيرا فهذا استثمار لأجل الدنيا والآخرة.

رعاية الصحة النفسية للطفل المسلم ليست ترفًا، بل هي واجب ديني واجتماعي وإنساني. إنها استثمار في بناء جيل قوي الإيمان، سويّ النفس، قادر على حمل رسالة الإسلام بثبات ووعي، والمساهمة الإيجابية في مجتمعه. الأسرة هي الحصن الأول والراعي الرئيسي لهذه البذرة الطيبة. بتوفير البيئة الآمنة، والتربية الإيمانية المتزنة، والرعاية النفسية الواعية، وغرس القيم، تكون الأسرة قد أدّت جزءًا عظيمًا من مسؤوليتها نحو أطفالها، ونحو دينها وأمتها، وتساهم في تحقيق السكينة التي هي من أعظم نعم الله على الأسرة المسلمة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)، وليكن شعارنا: “ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *