19 أغسطس، 2025
مقالات

 عبدالفتاح موسى يكتب: بين الغدر والندم

 

هل تتذكر، يا عزيزي، قصة مدرب الأسود الشهير محمد الحلو، الذي انتهى به المطاف ضحية غدر الأسد سلطان، رفيقه الذي عاش معه سنوات من الكفاح والعروض المدهشة؟

كان المشهد مشحونًا بالدهشة والرعب معًا.
انتهى العرض بنجاح، ووقف الحلو وسط الحلبة يحيي الجمهور الغفير، مبتسمًا وفخورًا. لكن الغدر، كما علمتنا الحياة، لا يأتي من الأمام، بل ينقض من الخلف دون سابق إنذار.

فجأة، انقض سلطان على مدربه، وأطبق أنيابه ومخالبه عليه بلا رحمة. هرع الجميع لإنقاذه، لكن الإصابات كانت بالغة، فلفظ الحلو أنفاسه الأخيرة بعد أيام من المعاناة في المستشفى.

ومع ذلك، كانت وصيته الأخيرة نبيلة وغريبة: “لا تقتلوا سلطان… لا ذنب له فيما حدث.”

وهنا يطرح السؤال نفسه: هل أدرك سلطان تلك الوصية؟ هل شعر أنه أودى بحياة من أحبه ورباه وأطعمه؟

لا نملك مفتاح عقل الحيوان، لكن رد فعله كان أبلغ من أي كلمات.
أُرسل سلطان إلى حديقة الحيوان، أسدًا شرسًا لم يعد يصلح للعروض. هناك، بدأ الحزن ينهشه من الداخل؛ امتنع عن الطعام، وجلس وحيدًا في زاويته، كأنه في عزاء لا ينتهي. حاول القائمون إدخال أنثى لتخفيف اكتئابه، فهاجمها وطردها. ثم جاء اليوم الذي قرر فيه أن يودع الحياة بنفسه، فجرح جسده جرحًا قاتلًا، ونزف حتى فارق الحياة… مشهد لا يُصدَّق من ملك الغابة.

هكذا انتهت حكاية أشهر مدرب أسود، وأحد ملوك الغابة…
حكاية جمعت بين غدر قاتل، وندم صادق، ووفاء نادر.

لم نُلْم سلطان يومًا؛ فقد تصرف وفق طبيعته التي خلق عليها. الغريب لم يكن هجومه، بل ندمه.
ليتنا نحن البشر نتمسك بما خلقنا الله عليه من رحمة ووفاء ونقاء، فلا تلوثه أطماعنا ولا تشوهه أحقادنا.
ليتنا نتعلم من سلطان أن الندم الحقيقي لا يكون بالكلام… بل بالفعل.
ليتنا ندرك، قبل أن نغدر، أن الندم مهما كان صادقًا لن يعيد من فقدناهم…
ليتنا لا ننتظر اللحظة التي تتحول فيها دموعنا إلى دماء، ولا ننتظر حتى نصبح مثل سلطان، نكتشف متأخرين أن الغدر لحظة… والندم عمر.
فالقلوب التي تحبنا اليوم قد ترحل غدًا، ولن يبقى لنا بعدها سوى الحسرة، وذكريات لا نجد لها مكانًا إلا في قفص الحزن.

ونصيحة أخيرة: لنتذكر جميعًا أن الندم بعد فوات الأوان لا ينفع، وأن الحكمة تكمن في التصحيح والتدارك قبل أن يحل الأوان. فمن أراد السلامة لقلبه وراحته لن يترك الأخطاء تتراكم، بل يسعى لتصحيحها وتفاديها قبل أن تتحول إلى أسى دائم، فالحياة قصيرة جدًا لتضيع في الندم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *