27 يونيو، 2025
مقالات

عبد الفتاح موسى يكتب:  بوللي (فكرة لا تموت)

 

أنطوان بوللي ، ذلك الرجل الذي بدأ حياته كهربائيًا بسيطًا في قصر الملك فاروق، لم يكن مجرد موظف عابر، بل كان طموحه لا يعرف حدودًا.
تسلل بهدوء، وارتقى حتى أصبح رئيس البلاط الملكي. لم يكن ذلك بفضل كفاءة فريدة، بل عبر تلبية رغبات الملك بكل الوسائل — المشروعة منها وغير المشروعة.
ولأن رغبات الملك كانت محط لغط كثير، فقد بدا بولي في أعين البعض كقوّاد أكثر منه خادمًا ملكيًا.

توطدت العلاقة بينه وبين الملك حتى أصبح لا يستغنى عنه، حتى أن حاشية القصر كانت تُطلق عليه لقب “فاروق الثاني”.
ورغم كل ما قيل عن فساد تلك العلاقة، فإن المفاجأة الكبرى جاءت لحظة رحيل الملك بعد الثورة. ففي تلك اللحظة المليئة بالانكسار، قال فاروق:
“أنا في غاية الحزن لأن بوللي لن يسافر معي، فأنا أحس كأنني فقدت قطعة من قلبي، أنا لا أعرف ماذا أفعل بدونه.”

يا للعجب!

في اللحظة نفسها، لم يكن بوللي على ظهر الباخرة يودّع مليكه، بل كان جالسًا في أحد مكاتب الدولة الجديدة مع اللواء محمد نجيب، وزكريا محيي الدين، وربما صلاح نصر، يسرد لهم بكل حماسة تفاصيل فاضحة عن حياة فاروق: تصرفاته، نزواته، بل حتى كميات الذهب التي هربها معه.

هذا هو بوللي يا سادة.

رجل لا يرى أمامه سوى السلطة، ولا يسمع سوى صوت مصلحته. لا مبادئ، لا وفاء، لا أخلاق.
ساق ملك مصر والسودان إلى الهاوية، ولم يتردد لحظة في أن يغدر به، بلا شفقة، إذا رأى في ذلك فرصة للنجاة أو مكسبًا جديدًا.

لكن بوللي… لم يكن مجرد شخص.
بوللي فكرة.

فكرة بشعة، ملساء كالأفعى، لا تموت. نراها كل يوم، وعلى كل المستويات. هو ذلك الذي يبيع شرفه، أو يخون رئيسه، أو يخرب المكان الذي وُكل بإدارته، لأجل مكسب أو منصب أو وهم نفوذ. لا يهمه من يعيش أو من يموت. لا يتردد إن اضطر أن يدفن صديقه حيًا ليصعد على جثته.

بوللي يا عزيزي، أخطر من أن يُنسى.
هو من يطفئ النور خلفك بعد أن يأخذ منك كل شيء، ثم يقول: “ما عرفته يومًا”.
تجده في من يتحدث عن المبادئ صباحًا، ويبيعها مساءًا، دون أن يرف له جفن.

عزيزي احذر من بوللي… فهو حولك أكثر مما تظن.
وأخطر ما في بوللي…أنه قد يتسلل يومًا إليك أنت.
حين تختبرك الحياة، ويُعرض عليك طريق مختصر فيه خيانة، فيه غدر، فيه سقوط.
فلا تكن يومًا بوللي.
لأن هذا العالم فيه ما يكفيه من الخونة والمنافقين…
لكن ما ينقصه فعلًا، هو النبلاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *