في سالف العصر والأوان، وفي قديم الزمان،
كان هناك فارس همّام، مفتول العضلات، قويّ كالصخر، لكنه كان يملك قلبًا أبيض نقيًا، لا يعرف إلا الحب والرحمة. وكان فوق ذلك بليغًا، شاعرًا، رقيق الكلمة عذب البيان.
وفي أحد الأيام، وبينما كان يسير على قدميه، يمسك لجام فرسه بيده، سمع بكاء طفل رضيع، يصرخ من الجوع والخوف. اقترب منه، حمله بين ذراعيه، ونظر في عينيه فرأى فيه قدرًا لا مهرب منه، فقرر أن يتولّى أمره، ويرعاه كما لو كان من صلبه.
ومرّت الأيام، وكبر الرضيع حتى أصبح طفلًا، ثم غلامًا. وقد كان كل شيء في حياة الفارس، نسي نفسه، نسي أن يتزوج، نسي أن ينجب. جعله ابنًا، وصاحبًا، وظلّ يعلّمه كل ما يعرفه من الفروسية إلى الرماية، من الأدب إلى الشعر، دون أن يبخل عليه بشيء. وكان الغلام ذكيًا، سريع الفهم، حادّ الذكاء.
لكن الشيطان، حين يرى الخير يزدهر، لا يتركه.
بدأ يهمس في أذن الغلام:
“أتعلم أن هذا الرجل ليس أباك؟ فكيف ترثه؟ سيظهر له قريب بعد موته فيأخذ كل شيء. لن يبقى لك شيء، إلا إذا سبقتهم.”
فدخل الطمع إلى قلب الغلام، ثم تبعه الحقد،وبدأ الكره ينب في صدره كما تنبت الأشواك.
ونسي كل جميل، كل حضن، كل تضحية.
حتى جاءت لحظة الشيطان: لحظة القرار.
كان الغلام ذكيًا، فلم يُرِد أن يقتل الرجل سرًا، بل أرادها ضربة أمام الجميع . فكتب قصيدة هجاء موجعة، وألقاها في وضح النهار، أمام الجميع، يسخر فيها ممن ربّاه.
ثم -وبدون رحمة- صوب سهمه إلى صدر الفارس… فأرداه قتيلًا.
وقبل أن يفارق الفارس الحياة، نظر إلى الناس وقال أبياتًا قليلة، كانت آخر ما نطق به:
⸻
فَيَا عَجَبًا لمن رَبَّيْتُ طِفْلاً
ألقَّمُهُ بأطْراَفِ الْبَنَانِ
أعلِّمهُ الرِّماَيَةَ كُلَّ يوَمٍ.
فَلَمَّا اشْتَدَّ ساَعِدُهُ رَمَاني
وَكَمْ عَلَّمْتُهُ نَظْمَ الْقَوَافي
فَلَمَّا قَال قَافِيَةً هَجَاني
أعلِّمهُ الْفُتُوَّةَ كُلَّ وَقْتٍ.
فَلَمَّا خط شارِبُهُ جَفَاني
رَمى عَيني بِسَهمٍ أَشقَذيٍّ.
حديدٍ شَفرتَاهُ لهْذَمانِ
توخّاني بِقَدحٍ شَكَّ قَلبي.
دَقيقٍ قد بَرَته الراحَتان كفأَ
هوى سَهمه كالبَرقِ حَتىّ.
أَصابَ به الفؤادَ وما اتَّقاني
⸻
ومات الفارس، دون أن يبكيه أحد، ودون أن يترحّم عليه أحد. فقد قتله الغلام أولًا بالكلمات، ثم أجهز عليه بالسهم المسموم.
فاحذر يا عزيزي…
لا تربِّ وحشًا في بيتك، ولا تأوي مكرًا في ثوب البراءة.
ليست كل الثعابين زواحف، فبعضها يسير على قدمين مرتديًا ثوبًا أنيقًا وابتسامة مخادعة.
وليست كل العقارب تسكن الصحراء، فبعضها يعيش بيننا، يخفي سمه خلف كلمات منمّقة وأقنعة مزيفة.
ملحوظة : القصة بالكامل من وحي خيالي لا أساس لها ،فقد اوحت لي الأبيات بها ويقال أنها تعود إلى الإمام الشافعي و الله اعلم