2 يوليو، 2025
أخبار مصر

قراءة نقدية جديدة في كتاب «تهذيب الأخلاق.. نظرية الفيلسوف بن مسكويه» للدكتور محمد سالمان

قراءة نقدية: جهاد هزاع

صدر مؤخرا كتاب جديد للدكتور محمد سالمان قراءة في «تهذيب الأخلاق لمسكويه»، وقامت الناقدة الأدبية جهاد هزاع، بعمل دراسة نقدية حول هذا الإصدار الجديد، مؤكدة أن النقد يصطفى منه الأجود كعلامات مضيئة تهدى المبدعين فى دربهم الفني، وهو ما نجده في نظرية الفيلسوف بن مسكويه «تهذيب الأخلاق»، وأن قراءة الدكتور محمد سالمان، جاءت نتيجة صدى هذا الكتاب الواسع والمؤثر على المستويين الإبداعي والإنساني، فقد يذهب الباحثون إلى تبنى قضية ما لدراستها من عوامل ظهورها وكيفية التعامل معها، ولكن فى هذا الكتاب نتوقف أمام حدث جلل، حيث تبنى الباحث هنا قضية نفسية إجتماعية ربانية، فموضوع الكتاب يعد أحد المراكز النورانية الإنسانية لتطوير الذات وترويضها، وإن الأخلاق تعتبر بمثابة الحارس الأمين الذى ينقذ ويحمى المجتمع من التصدى والإضمحلال، ويعد توثيقا روحانيا إنسانيا مبسطا لذوارق النفس وأعماقها، وإن جاز التعبير هو أحد أدلة التعامل تلك القضية التى تعد بؤرة إضاءة فى ظلام دامس مخاطبا كل أبناء النور.
فالكتاب يؤكد أن النفس تلك النقطة المفصلية فى سعادة أو شقاء الدارين، وإن صناعة الحياة الإنسانية هى الركيزة الأساسية للتقرب الرباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم, أقربكم منى مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وهنا استشهد الكاتب بمقولة الإمام يحيى بن حمزة اليماني، حينما قال إعلم أن الأصل فى تهذيب الأخلاق وتطهيرها عما هو شائبا لها هو حسن الخلق فإنه صفة سيد الأنبياء وأفضل أعمال أهل الصدق وهو على التحقيق شطر الدين، ونجد ذلك أكثر وضوحاً فى قول الله تعالى إنك لعلى خلق عظيم، مخاطبا سيد الأكوان الياقوتة النورانية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن ثم أوضح الكاتب تعريفا محددا للنفس فإنها ليس جسم ولا جزءا من جسم ولا عرضا، وأيضا تدرك جميع الأشياء السوية ولا يلحقه فتور ولا نقص.

باب فضائل النفس

وتضيف هزاع في دراستها أن الكاتب تناول عن فضائل النفس، حيث يؤكد الكاتب تعتبر حدثا لا تحدث لنا إلا بعد أن تطهر نفوسنا من الرزائل الرديئة الجسمانية، فإن كل واحد من الموجودات له كمال خاص وفعل لا يشاركه، وإستوقفنى الكاتب هنا فى هذه النقطة الفاصلة للكثير من الآراء المتباينة، وذلك تأكيدا لهذا الموجود من منظور صوفي، نجد أن كل المخلوقات ما هى إلا تجليات الخالق فالله أسمائه الذى تفرد بها لذاته العظمى، منها ما نعلمها وما لا نعلم فى الأعم، ومنها ما علمها لأحد عباده الصالحين بالأخص، ومنها ما إستأثر بها فى علم الغيب عنده، وإن الإنسان الذى خلقه الله فى أحسن تقويم ما هو إلا مجموع من نسب الأسماء الإلهية المركبة، فعلى سبيل المثال لا الحصر شخص لديه نسبة عالية من اسم العليم مثل سيدنا الخضر، وتركيبه أخرى بها نسبة عالية من اسم الحكيم، مثل سيدنا سليمان، وهكذا فالله سبحانه وتعال تفرد بخلط النسب المختلفة والمتفاوتة بدرجة أو أخرى من نفس لغيرها، فلا تجد تطابق كمى ولا كيفي، وإلا يعد هذا تشكيكا فى قدرة الذات الإلهية على خلق نسب وتراكيب متغايرة للنفوس سبحان الله وتقديم فى علاه.

التصنيف الثلاثى للنفس

وأكدت جهاد هزاع أن الكاتب أكد على فكرة الخير قائلا: إن الواجب الذى لا مرية فيه، أى بلا تشكيك أن نحرص على الخيرات التى من أجلها خلقنا، فإن الخيرات والشرور فى الأفعال الإرادية، هى إما أختيار الأفضل والعمل به، وإما أختيار الأدون والميل إليه، حيث تبين للناظر فى أمر هذه النفس أنها تنقسم إلى ثلاثة أعنى القوة التى بها يكون الفكر والتميز والنظر فى حقائق الأمور، والقوة التى يكون بها الملذات النفسية كالمأكل والمشرب إلى آخره، وأمعنت النظر قليلا فى ذلك التصنيف الثلاثى للنفس فهناك ما يدعو إلى التريث فى التصنيف ذات السبع، مثلا المرتبة الأولى: النفس الأمارة بالسوء وهى أدناهم، والمرتبة الثانية المساواة، ثم المرتبة الثالثة وهى النفس اللوامة، ثم المرتبة الرابعة وهى النفس المطمئنة، ثم المرتبة الخامسة وهى النفس الراضية، ثم المرتبة السادسة النفس المرضية، ثم المرتبة السابعة وهى النفس الممكنة، وتلك أعلاهم فى الترقي.
وأوضح الكاتب أنه قد تم الإجماع من قبل الحكماء على رأى أن أجناس الفضائل أربع، وهى الحكمة والعفة والشجاعة والعدالة، فأما الحكمة هى فضيلة النفس الناطقة المميزة وهى أن تعلم الموجودات كلها من حيث هى موجودة، ثم أوضح الكاتب الأقسام التى تحت الحكمة وهى الذكاء والذكر، والتعلق، وسرعة الفهم، وقوته صفاء الذهن، وسهولة التعلم وبهذه الأشياء يكون حسن الاستعداد، فأما الذكاء فهو سرعة إنقداح النتائج وسهولته على النفس، وأما الذكر فهو ثبات صورة ما يخلصه العقل أو الوهم، وأما التعقل فهو موافقة بحث النفس عن الأشياء الموضوعة بقدر ما هي عليه، وعن صفاء الذهن فهو إستعداد النفس لاستخراج المطلوب.

باب فضائل العفة والشجاعة

ثم حدد الكتاب الفضائل التى تحت العفة، ألا وهى الحياء والدعوة والصبر والسخاء والحرية والقناعة والدماثة والانتظام وحسن الهدى والمساهمة والوقار والورع، أما الحياء فهو إنحصار النفس خوف فعل القبيح، وأما الصبر فهو مقاومة النفس للهوى، وأما الحرية فهى فضيلة للنفس وعن القناعة فهى تساهل فى المأكل والمشرب والزينة، فإنها الكنز الذى لا يفنى ولا ينضب ولا يجف، وأما الدماثة فهى حسن إنقياد النفس لما يجمل وتسرعها إلى الجميل، فإذا اتصف الإنسان بهذه الصفات الحميدة فمن هنا يسلك سلوك المهذبين العارفين بالله.
ثم أوضح الكاتب الفضائل التى تحت الشجاعة، وهى كبر النفس والهمة والصبر والحلم، فأما عن كبر النفس فهو الاستعانة باليسير والاقتدار على حمل الكرائه، فصاحبها يؤهل نفسه للأمور العظام مع استخفافه لها، وعن عظمة الهمة فهى فضيلة النفس تحتمل بها سعادة الجد وضدها، وأما عن الحلم فهو إكتساب الطمأنينة فلا تكون مثيرة الشر، وعن الفضائل التى تحت السخاء مثل الكرم والإيثار والنبل والمواساة والسماحة والمسامحة، فأما الكرم فهو إنفاق المال الكثير بسهولة من النفس فى الأمور الجليلة، وإن كان الكرم فى نظرى ليس بالضرورة إنحصاره فى الركن المادى فقط لا غير، ولكنه قد يتجه أكثر إلى الركن المعنوى كالإيثار والمؤازرة، فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك من هو كريم بعقله وذلك يكون أكثر حكمة وذكاءا فعندما تقم بإستشارته فى موضوع ما يساعدك بشكل منطقى وعقلانى فكأنه يستخلص نتاج تجاربه وخبراته الشخصية ويطلعك عليها بكل رحب، وبذلك يساعدك فى إيجاد حلول أكثر مرونة وتفاعلية.

باب فضيلة الإيثار والزهد

وتضيف هزاع في دراستها أن الدكتور محمد سالمان استطرد في قراءته النقدية الجديدة في نظرية الفيلسوف بن مسكويه «تهذيب الأخلاق»، قوله عن فضل الإيثار فهو فضيلة للنفس بها يكف الإنسان عن بعض حاجاته التى تخصه، وعن السماحة فهى بذل بعض ما لا يحب وأما المسامحة، فهى ترك بعض ما يجب، وعن الفضائل التى تحت العدالة، مثل الصداقة والألفة وصلة الرحم وترك الحقد واستعمال اللطف، فمثلا من باب العدل على المرء، أن يكرم زوجته وأهلها المتصلين بها، وأهل المعرفة الباطنة به وخير الناس خيرهم لأهله وعشيرته والمتصلين به، وعن المكافأة هى مقابلة الإحسان بمثله أو زيادة عليه، وعن الحكمة فهى وسط بين السفه والبله، فالسفه هنا استعمال القوة الفكرية فيما لا ينبغي، وكما لا ينبغى والبله تعطيل هذه القوة، ولذلك قال الحكماء أن الإنسان مدنى بالطبع فالكل يحتاج لغيره، وعن القوم الذين رأوا الفضيلة فى الزهد وترك مخالطة الناس وتفردوا عنهم إما بملازمة المغارات أو الصوامع، لا يحدث لهم شئ من الفضائل الإنسانية، ومن هذا المنطلق أوضح الكاتب بعض آراء كبار الفلاسفة والمتخصصين بعلم الاجتماع والمتفردين بعلم الإنسان، وتفاعله مع الآخرين وما يحيطه من جمادات، فمن يتقوقع على نفسه ويغلق على فكره، فكيف له ممارسة هذه الصفات مع من يشارك الكرم والسخاء والحكمة والعدل والإيثار.. وإلى آخره، فإذا بطلت هذه الصفات وبالتالي الأفعال التى تليها نتيجة طبيعية لترسيخ الصفة فى النفس والعقل لدى شخص ما، فإنه فى هذه المرحلة يكون أشبه بالموتى أو بمنزلة الجمادات وذلك من إعمالا لقوله تعالى وتعاونوا على البر والتقوى.

باب حب لغيرك ما تحب لنفسك

وتؤكد هزاع أن الكتاب بقراءة الدكتور محمد سالمان عن الخلق، هو خاص بالنفس غير الناطقة، وقال بعضهم قد يكون للنفس الناطقة فيه حظ، إستشهد الكاتب برأى الفيلسوف اليوناني جالينوس، فإنه رأى أن الناس فيهم من خير بالطبع وفيهم من هو شرير بالطبع وفيهم من هو متوسط بين هذين، فالحقيقة تمعنت النظر فى ذلك الرأى فإن الإنسان يولد على الفطرة التى فى الأصل ما هى إلا خير مطلق دون قيود، وذلك فى بادئ الأمر بعيدا كل البعد عن الشر، وإلا كيف جعل الله فى داره الآخرة الثواب، المتمثل فى جنة الخلد والنعيم والعقاب المتمثل فى نار الجحيم، وهنا أتسائل كيف يخلق الخالق إنسان خير بالطبع أو إنسان شر بالطبع، فإذا كان هناك أصل التحرر للإنسان ألا وهو الإختيار الحر، فهنا يكمن إما الترقى فى درجات الجنة أو التسفل فى دركات النار -أعاذنا الله منها- فالأصل الخير وليس العكس، ولكن إذا أخملت الطباع، ولم ترض بالتأديب والتقويم، نشأ كل إنسان على نفس طباعه، حيث أن الشريعة هى التى تقوم الأحداث وتعودهم الأفعال المرضية، وتعد نفوسهم لقبول الحكمة وطلب الفضائل والبلوغ إلى السعادة بالفكر الصحيح والقياس المستقيم، وذلك لما كان للإنسان جوهر خاص لا يشاركه فيه شئ من موجودات العالم فإن الإنسان أشرف موجودات عالمنا.
ثم تناول الكاتب القضية بمنظور فلسفى نظريا، وعمليا فإذا كمل الإنسان للجزئين معا فقد سعد سعادة تامة، فعمليا يتمثل فى التطلع لمختلف العلوم، فهو أن يصير فى العلم بحيث يصدق نظره وتصح بصيرته وتستقيم رويته، وينتهى فى العلم بأمور الموجودات على الترتيب إلى العلم الإلهى الذى هو آخر مرتبة العلوم، ونظريا يتمثل في الكمال الخلقة ومبدؤه من ترتيب قواه وأفعاله الخاصة، فإن الإنسان يتميز بالعقل والمنطق والحكمة، وذلك إذا لم يخضع للبهيمية ولا العصبية، فإذا إنساق الإنسان لمنهج قويم وقصد صحيح، وصل إلى بداية الطريق للكمال والسعادة.
واستشهادا بقول أرسطو عن الخير، إنه المقصود من الكل وهو الغاية الأخيرة، وأما السعادة فهى الخير بالإضافة إلى صاحبها، وهى كمال له إذا فالسعادة تعتبر جزء من الخير، فقسم الخير إلى خيرات شريفة، وهى الحكمة والعقل، والتى هى بالقوة مثل التهيؤ والاستعداد لنيل الأشياء التى تقدمت والتى هى نافعة، هى جميع الأشياء التى تطلب لا لذاتها بل للتواصل بها إلى الخيرات، وأما السعادة فقد قلنا أنها خير، وما هى تمام الخيرات وغايتها والتمام، هو الذى إذا بلغنا إليه لم نحتج معه إلى شئ آخر، ولذلك نقول إن السعادة هى أفضل الخيرات.

الإنسان ذو فضيلة روحانية

وتستطرد جهاد هزاع في قراءتها النقدية أن الكاتب الدكتور محمد سالمان في قراءته لتهذيب النفس للمسكوني، عن رأيه فى السعادة موضحا أن الإنسان ذو فضيلة روحانية يناسب بها الأرواح، الطيبة التى تسمى ملائكة وذو فضيلة جسمانية يناسب بها الأنعام مركب منهما فهو بالخير الجسمانية، الذى يناسب به الأنعام مقيم فى هذا العالم السفلى مدة قصيرة ليعمره، حتى إذا ظفر بهذه المرتبة على الكمال إنتقل إلى العالم العلوي، وأقام فيه دائما سرمدا فى صحبة الملائكة والأرواح الطيبة، فإن أول رتب الفضائل تسمى سعادة، وهى أن يصرف الإنسان إرادته ومحاولته إلى مصالحه فى العالم المحسوس فى أمور النفس والبدن.
وأضاف لكنى أرى السعادة تكمن فى الرضا، فإذا رضى الإنسان عن حاله سخر رب الكون مخلوقاته لإرضاءه، وهنا ينتقل الإنسان من النفس الراضية إلى النفس المرضية، ومن ثم إلى النفس الممكنة، وهبنا الله إياها وإشراق الروح، فكما قال بن عطاء السكندري، النفس مظلمة إلا أن أشرقت بأنوار الروح، والروح لا تضئ إلا إذا خالطها صدق التوحيد، ثم تناول الكاتب قضية لزوم الشريعة فى المعاملات، فالسريعة هى التى ترسم فى كل واحد من هذه الأشياء التوسط والاعتدال لأن هم مدنيون بالطبع، ولا يتم لهم عيش إلا بالتعاون فيجب أن يخدم بعضهم بعضا، وعن المضرات كلها تتفنن إلى أربعة أنواع، أحدهما الشهوة والرداءة التابعة لها، والثانى الشرارة، والثالث الخطأ ويتبعه الحزن، والرابع الشقاء، وأما الشهوة فإنها تحمل الإنسان على الإضرار لغيره، وأما الشرير فإنه يعتمد الإضرار لغيره على سبيل الإيثار له، وأما الخطأ لصاحبه لا يقصد الإضرار بغيره ولا يؤثره، وأما الشقاء فصاحبه لا يكون هذا مبدأ فعله ولا له فيه صنع بالقصد بل يوقعه فيه سبب آخر من الخارج، ثم إستشهد الكاتب برأى أرسطو بخصوص تقسيم العدالة إلى أقسام ثلاثة، أحدهما ما يقوم به الناس لرب العالمين، وهو أم يجرى الإنسان فيما بينه وبين الخالق عز وجل على ما ينبغي، وبحسب ما يجب عليه من حقه وبقدر طاقته، والثانى ما يقوم به بعض الناس لبعض من أداء الحقوق العظيمة، وتأدية الأمانات والنصفة فى المعاملات، والثالث ما يقومون به من حقوق أسلافهم مثل أداء الديون عنهم وإنفاذ وصاياهم، ثم أشار إلى الدور الذى يجب على الإنسان لخالقه، وهو أن يتقرب إليه بأن يحسن إلى نفسه بتزكيتها وحسن سياستها والإحسان إلى المستحقين من أهل نوعه بالموازاة ثم بالحكمة والموعظة، واستطرد أسباب الانقطاعات عن الله والمساقط، وهى التى تعرف باللعائن فأولها السقوط الذى يستحق به الإعراض وتتبعها الإستهانة، والثانى السقوط الذى يستحق به الحجاب ويتبعه الإستخفاف، والثالث السقوط الذى يستحق به الطرد ويتبعه المقت والرابع السقوط الذى يستحق به الخيأه ويتبعه البعض، وعن الرزائل أربع، أولها الكسل والبطالة، ويتعبهما ضياع الزمان وفناء العمر بغير فائدة إنسانية، والثانى الغباوة والجهل المتوالدان ترك النظر ورياضة النفس بالتعليم، والثالث الوقاحة التى ينتجها إهمال النفس، والرابع الانهماك الذى يحدث من الاستمرار فى القبائح، وأعتقد أن إذا تجنب الإنسان تلك المهلكات نجا وإرتقى ووصل لحد السعادة وبدايات الفضائل والاستقرار النفسى والبعد كل البعد عن مرض جنون العظمة والكبرياء، والعمل على إنكار الذات، وأصبح إنساناً بكل ما تحمله كل الكلمة من مرادفات.

تباين أنواع المحبة

وعن تباين أنواع المحبة، قال الكاتب: أن المحبة تتنوع طبقا للسبب، فهناك محبة يكون سببها اللذة، وهنالك محبة سببها الخير فهى التى تنعقد سريعاً وتنحل بطيئا، وهناك محبة سببها المنافع فهى التى تنعقد بطيئا وتنحل سريعا، فأما الصداقة نوع من المحبة، إلا أنها أخص منها، وهى المودة بعينها تقع بين جماعة كثيرين كما تقع المحبة السريعة أوجبت على الناس أن يجتمعوا فى مساجدهم كل يوم خمس مرات، وفضلت صلاة الجماعة على صلاة الآحاد ليحصل لهم هذا الأنس الطبيعى الذى هو فيهم بالقوة.
استوقفني هنا الكاتب عند معنى الإسلام، فإذا أعدنا الكلمة إلى معجم اللغة العربية، يتجرد الإسم من الزيادات وتصلح «سلم» فالمسلم من سلم الناس بلسانه ويده، فالأصل فى الإسلام السلام والتسليم لقضاء الله وقدره، وعلى سبيل المثال لا الحصر قول رسوله الكريم «تهادوا تحابوا»، «وأفشوا السلام بينكم»، «تبسمك فى وجه أخيك صدقة»، «الكلمة الطيبة صدقة»، «خيركم من بدأ بالسلام»، فالله ذاته أحد أسمائه الودود، فالود أصل المحبة فالمحبة هى قصد الخير والتماس الفضيلة، وأما المحبة التي لا تشوبها الانفعالات ولا تطرأ عليها الآفات، وهى محبة العبد لخالقه عزو جل فإنها للعالم الربانى والموت الإلهي.

دواء النفوس

وتنهى الناقدة الأدبية جهاد هزاع أن الكاتب أنهى كتابه فى فصله الأخير عن دواء النفوس، قائلا إن النفس قوة إلهية غير جسمانية، فإن مريض النفس كي يتحرر من مرضه، لابد أن يعترف به، وبهذا يتخطى نص طريق العلاج النفسي، فالمصارحة فى هذه الحالة خير سبيل للتحرر من آفات النفس وموبقاتها، فالكاتب يرى أن التهور والجبن سببهما الأول ومبدأهما النفس الغضبية، ولذلك صارت الثلاث بأسرها من علائق الغضب والغضب فى الحقيقة، هو حركة للنفس يحدث بها غليان دم القلب شهوة الانتقام، فإذا إزدادت امتلأت الشرايين والدماغ دخانا مظلما مضطربا يسوء منه حال العقل ويضعف فعله ويصير مثل الإنسان، وعن الغدر فوجوهه كثيرة أعنى أنه قد يستعمل فى المال وفى الجاه وفى الحرام وفى المودة، وعن الجبن يتبعها إهانة النفس وسوء العيش وطمع طبقات الأنذال وقلة الثبات والصبر فى المواطن التى يجب فيها الثبات، وعن الخوف من الموت، فإن الخوف من الموت ليس يعرض إلا لمن لا يدرى ما الموت على الحقيقة، وأن العالم سيبقى موجودا وليس هو موجود، فإن الموت هو الحقيقة الأصدق فى حياتنا، وعن الحزن فهو ألم نفساني، يعرض لفقد محبوب أو فوت مطلوب، وسببه الحرص على الفتيات الجسمانية والشرة والحسرة على ما يفقده أو يفوته منها، وإنما بحزن ويجزع على فقد محبوبته وصفوة مطالبه وعلم أن جميع ما فى عالم الكون والفساد غير ثابت، ولا باقي وإنما الثابت الباقي، هو ما يكون فى عالم العقل لم يطمع فى المحال ولم يطلبه, وإذا لم يطمع فيه لم يحزن أفقد ما يهواه ولا لفوت ما يتمناه فى هذا العالم.
وأستشهد الكاتب بالكاتب الكندى فى كتاب «دفع الأحزان» مما يدلك دلالة واضحة أن الحزن شر يجلبه الإنسان ويضعه وضعا، وإستشهد بقول الله تعالى «ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون»، من وجهة نظرى إن صحت أن الإنسان هو الذى يستجذب طاقة الحزن والسلب، أو طاقة السعادة والإيجاب، طبقا لقانون الجذب وطبقا للعقل الكوني، فعن الإمام على كرم الله وجهه قائلا «كل متوقع آت» ، وعن قول رسولنا الكريم «لا تتمارضوا فتمرضوا»، وعن قول رب العزة فى حديثه القدسى «أنا عند حسن ظن عبدي بي»، فإن النفس شئ غير مجسم ولكن يمكن التحكم فيه عن طريق الترقى لا التسفل فيصبح الشخص أكثر إنسانية، وبالتالى يكون مؤهل إلى الهدف من خلقه وهو الإستعمار والإستخلاف، وبهذا قد يكون ساهم هذا الكتاب عن كيفية التعامل مع أغوار النفس البشرية وترويضها، والخروج من تلك المعضلة ألا وهى الأمارة بالسوء، وقد نجح الكاتب فى المزج بين ما هو فلسفى تحليلى وما هو صوفى روحانى، مستعينا بالمراجع الفكرية الفلسفية، أكدت على دور العقل فى تهذيب النفس..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *