رؤية نقدية: جهاد هزاع
خلال رؤيتها النقدية لكتاب الدكتور عبد الرحيم الكردي «ما النقد الأدبي»، أكدت جهاد هزاع الناقدة الأدبية أنه يعد توثيقا للثقافة، حيث أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهى الدين العساسي، كتاب «ما النقد الأدبي» للدكتور عبد الرحيم الكردى، ضمن سلسلة مشروع ما التى يترأس تحريرها الدكتور محيى عبد الحى.
جاء الكتاب ضمن إطار إستقرار بناء الشخصية، وذلك من خلال ترسيخ فكرة النقد البناء، والنظر لنصف الكوب الممتلئ بعيدا عن النصف الفارغ، فى محاولة وضع الأمور فى نصابها المعتدل دون تحيز أو تجريح لضمان حيادية علمية ممنهجة وفقاً لأسس أدبية، حيث يتبلور الكتاب حول نقاط محددة تستهدف النقد الأدبى متبنيا تعريفه، والعديد من مراحله مثل مرحلة النقد الأدبي عند الإغريق والرومان، ومرحلة النقد الأدبى العربي، ومرحلة النقد الأوروبي الحديث، ومرحلة النقد الأدبى العربى الحديث، حيث عبر الكاتب مبينا ما هو التفكير النقدي من خلال تقسيم الناس لنوعين النوع الأول له سلوك سلبى فى الإتباع يصدق كل ما يقال دون «تفكير» أو تدبر أو تمعن فى الأمر إن جاز التعبير نوع ينساق للغير
والنوع الثاني مسئول متشكك لا يصدق بسهولة كل ما يقال بل يعرضه على عقله ويقلبه على وجوههم ويتدبر الأمر برفق وروية, ومن ثم يتناول الكاتب مواصفات الناقد الأدبى المتميز، حيث تتجمع فيه الذوق الفنى للعديد من الفنون الأدبية والثقافة الواسعة، وامتلاك العقل الناقد والقدرة على التعبير والموضوعية، فإن النقد مرحلة تالية على الإبداع وليس سابقة عليه.
ثم تناول الكاتب النقد الأدبى فى حقب زمنية مختلفة مثلا فى زمن الإغريق والرومان، الذى عرف فى بداية عصر النهضة الأوروبية فى القرن السابع عشر الميلادي مستدلا برأى الفيلسوف أفلاطون أحد كبار الفلاسفة اليونانيين فإنه يعيب على الشعر أنه يصور الآلهة بصورة غير لائقة، لأنه ينسب إليهم صفات مثل الغيرة، والإنتقام والعبث واللهو، على إعتبار أن الذات الإلهية لابد أن تقدر وتبجل وتقدس، وذلك يدل على أيدولوجيات ومعتقدات مثقفى العصر اليونانى وتوجهاتهم الفكرية آنذاك، ثم تناول الكاتب مرحلة النقد العربي القديم لخصه الكاتب فى رأى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال إنما الشعر كلام مؤلف فما وافق منه الحق فهو حسن وما لم يوافق الحق منه فلا خير فيه.
وكان سيدنا عمر رضى الله عنه وأرضاه يفضل شعر زهير بن أبى سلمى، فلما سئل عن ذلك قال لأنه لا يعادل فى كلامه ولا يمدح الرجل إلا بما فيه أى أنه كان لا يتكلف ولا يكذب، تلك العين الناقدة العادلة التى لا يشوبها ظلم بأى نسبة ولو كانت ضئيلة خالية من التحيز.
وعندما تناول الكاتب النقد من منظوره الأوروبى الحديث، قال إنه تم تأريخه فى أوروبا بثلاثة أحداث تاريخية سقوط مدينة القسطنطينية عام ١٤٥٣م ، وإكتشاف الطباعة والوصول إلى أمريكا، وهذا العصر عرف بعصر النهضة حيث إنقسم النقاد للفريقين الأول: النقد الكلاسيكي والثانى: النقد الرومانتيكي.
وهذا يدل على الدقة والتمحيص من قبل الكاتب فى محاولة ربط الأدب والتاريخ كوجهان لعملة واحدة
ثم تناول الكاتب مسألة النقد من المنظور الأدبى العربى الحديث يؤرخ للعصر الحديث فى الوطن العربى عادة بالحملة الفرنسية على مصر عام ١٧٩٨م .
وفى العقد السابع من القرن التاسع عشر تبلورت نهضة ثقافية شاملة بظهور العديد من العلماء والمفكرين والأدباء، والشعراء ففى هذه الفترة ظهر حسين المرصفى فى مجال النقد الأدبي، ومحمود سامى البارودى فى مجال الشعر، والشيخ محمد عبده، فى مجال النثر والفكر الدينى والإجتماعي، وظهر عبد الله النديم فى الخطابة، وظهر على مبارك فى التعليم، حيث ظهر النقد العلمي المنهج الذى كان من أبرز رواده الأديب طه حسين، وظهر نقد عصر الإنفتاح هذا الجيل اتجهت فئة قليلة من نقاده إلى تحليل النصوص ذوقيا وبلاغيا، دون التطرق إلى المضامين السياسية والإجتماعية حيث اتجه كثيرون إلى إستيراد المناهج النقدية، وبهذا تناول الكاتب العديد من المراحل التاريخية للنقد الأدبى.
وجاء هذا جليا فى تحديد فترات زمنية بعينها لمراحل النقد وتحديد بعض التواريخ مثل تاريخ اكتشاف الطباعة، وبالتالي تحديد بعض الأماكن مثل اليونان والمجتمع العربى، موثقا أهم صفات الناقد الأدبى مما يساهم فى تشكيل الوعى الثقافى، وتيسير العديد من الدراسات النقدية الأدبية وفقا لمنهج علمى، ومعايير محدده .
فإن تعريف المؤلف للنقد الأدبى هو ممارسة التفكير النقدي على النتاج الأدبى سواء أكان هذا النتاج عملا أدبيا أم أعمال كاتب معين أم الإنتاج الأدبى فى عصر ما أو إتجاه بعينه بتسليط الضوء على العمل الأدبي، وكشف أبعاده وشرح مقاصده الظاهرة والمضمرة وكيفية صياغته، لهذه المقاصد وبيان مواطن الجمال فيه والحكم له وعليه، وتحديد خصائصه التى تميزه كعملية إبداعية عن غيرها، والأثر الذى يمكن أن يحدثه فى متلقيه ومقارنته بنظائره من الأعمال، فإن هذا الكتاب جاء في إطار دعم الفكر النقدى وترسيخ الوعى والإبداع، من خلال محاولة ربط النقد بالتأريخ.
فالنقد فى حد ذاته علم لا يهدف إلى سلطة تمارس من قبل الناقد على النص والسيطرة عليه تحت مظلة النقد، فالهدف الأسمى من العملية النقدية البناء وليس الهدم، وهذا ما حاول الكاتب ترسيخه فى إطار الفكر النقدي الإبداعي.