فى ثمانينيات القرن الماضى، أجرى المشير الراحل محمد عبدالحليم أبوغزالة، حواراً مع برنامج «واجه الصحافة»، الذى حاوره فيه ثلاثة من عمالقة صاحبة الجلالة، هم مكرم محمد أحمد، وصلاح منتصر، وحمدى فؤاد.
تحدث المشير عن جوانب كثيرة فى السياسة الخارجية، وعلاقات مصر بالغرب.
كانت وجهة نظر المشير أن الضغوط الاقتصادية هى التى تدفعنا نحو الولايات المتحدة الأمريكية، بينما يمكن الاعتماد على دول أخرى غربية فى تنويع مصادر السلاح ومنها فرنسا وبريطانيا وإيطاليا.
المشكلة أن الولايات المتحدة كانت تقبل بشروط سداد على 30 عاماً، بينما دول الغرب الأخرى لا تستطيع تأجيل السداد للمشترين.
وقتها كان ولا يزال حلف الناتو يعتمد فى تسليحه على الولايات المتحدة الأمريكية، بينما شركات السلاح الفرنسية والبريطانية تعانى الهيمنة الأمريكية، ولا تجد أسواقاً ومشترين.
وضرب المشير المثل بشركة داسو الفرنسية بقوله: «لو معاك فلوس وروحت اشتريت 100 طيارة ميراج مش بعيد الراجل بتاعهم ييجى عندنا يصلى ركعتين لله».
الآن نجح الرئيس عبدالفتاح السيسى فى العبور بمصر من مأزق الثمانينيات التاريخى، إلى موقف حالٍى مستقر وقوى وصفقات الرافال.. وبدلاً من أن يأتى رئيس شركة داسو ليصلى ركعتى شكر فى مصر، جاء الرئيس الفرنسى بنفسه ليعقد شراكات مع مصر، ويستهلها بزيارة منطقة خان الخليلى والحسين.
ربما لا تكون فرنسا فى قوة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، لكن لا يمكن تهميش دورها.
ووفقاً لآخر الإحصائيات، يحتل الاقتصاد الفرنسى المرتبة السابعة عالمياً من حيث الناتج المحلى الإجمالى الإسمى، بينما يحتل الاقتصاد الأمريكى المرتبة الأولى. أما الناتج المحلى الإجمالى، فإن الولايات المتحدة تحقق نحو 9 أضعاف ما تحققه فرنسا بنحو 28.78 تريليون دولار، مقابل 3.13 تريليون دولار أمريكى.
الفجوة كبيرة أيضاً فى الواردات، إذ تسجل الولايات المتحدة نحو 4 تريليونات دولار أمريكى، بينما فرنسا 800 مليار دولار، والصادرات 3 تريليونات دولار مقابل 700 مليار دولار.
يتضح من الأرقام أن الاقتصاد الأمريكى أكبر كثيراً من الاقتصاد الفرنسى.. لكن الاقتصاد الفرنسى اقتصاد قوى ومتنوع.
هنا تكمن قوة التقارب الفرنسى – المصرى، على كل المستويات.
فكما نحتاج فرنسا لوقف الجنون الأمريكى، تحتاجنا فرنسا أيضاً لضمان استمرارها كقوة عالمية.
قبل 9 سنوات، كانت ثمة صفقة الغواصات بين فرنسا وأستراليا عبارة عن اتفاقية بقيمة 66 مليار دولار أسترالى (40 مليار يورو) لتزويد أستراليا باثنتى عشرة غواصة هجومية من فئة «باراكودا»، وقد تم توقيع الصفقة عام 2016، وكان من المتوقع أن يتم تسليم أول غواصة عام 2034.
لكن فى سبتمبر 2021، ألغت أستراليا الصفقة، مشيرة إلى أنها ستسعى بدلاً من ذلك للحصول على غواصات تعمل بالطاقة النووية من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بموجب اتفاقية شراكة أمنية ثلاثية جديدة، أطلق عليها اسم «أوكوس». وقد أثار إلغاء الصفقة غضب فرنسا، التى وصفته بأنه «طعنة فى الظهر»، واستدعت سفيريها من أستراليا والولايات المتحدة.
بالطبع طعنة فى الظهر من الولايات المتحدة، التى أرادت أن تنفرد بتسليح أستراليا بهدف حربها القادمة مع الصين.
وبينما كانت الولايات المتحدة تطعن فرنسا فى ظهرها، كانت القيادة المصرية أكثر وعياً بالدور الفرنسى، ونفذت صفقات من بينها الرافال.
تحية واجبة للقيادة المصرية.
