الأمين العام للمنظمة العربية للطاقة المهندس جمال عيسى اللوغاني خلال حواره مع مجلة «طاقة الشرق»:
– يتم حالياً استكمال المرحلة الثانية وتشمل خطة وآلية تنفيذ المبادرات الاستراتيجية النموذج التشغيلي والهيكل التنظيمي تحديث النظم واللوائح
– ندعم التنويع في مصادر الطاقة وليس الدعوة المتسرعة للاستغناء عن الوقود الأحفوري
– عملية التغيير وإعادة الهيكلة لا تقطع مع الماضي وإنجازات «أوابك»، بل تبني عليها
– لدينا ثقة كاملة بدعم الوزراء ومرونة الدول الأعضاء لتحقيق الأهداف الجديدة للمنظمة
– تسعى المنظمة لتكون «بيت الخبرة العربي» في مجالات الطاقة وتعزيز البحث العلمي وبناء القدرات
– تحول الطاقة يجب أن يتم وفقاً لمصالح وإمكانات كل دولة، ولذلك فإن المصطلح الأفضل هو «تحولات الطاقة»
– الموازنة بين النفط والغاز والطاقة المتجددة، بما يكفل تحقيق أمن الطاقة وأمن المناخ
– قرار إعادة الهيكلة استند إلى اقتراح سعودي أيدته الدول الأعضاء بالإجماع
– توسيع العضوية لتشمل كافة الدول العربية وتوسيع النشاط ليشمل كافة مصادر الطاقة
كشف الأمين العام للمنظمة العربية للطاقة المهندس جمال عيسى اللوغاني خلال حواره مع مجلة «طاقة الشرق» حول إعادة هيكلة وتطوير منظمة أوابك، عن تفاصيل التحول المؤسسي العميق الذي تشهده المنظمة، بعد أكثر من نصف
قرن على تأسيسها، وأبرز التحديات التي تواجه هذا التحول وكيفية مواجهتها.
يتمثل هذا التحول بتغيير الاسم ليصبح المنظمة العربية للطاقة. وتوسيع العضوية لتشمل كافة الدول العربية وربما بعض الدول الأجنبية والمنظمات بصفة مراقب. والأهم توسيع النشاط ليشمل كافة مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة المعروفة والتي قيد التجربة والتطوير.
يتحدث اللوغاني عن خلفية القرار التاريخي رقم 113 القاضي بإعادة هيكلة المنظمة، الذي اتخذه المجلس الوزاري بالإجماع بناءً على اقتراح قدمته المملكة العربية السعودية. ويستعرض الخطوات العملية التي اتُخذت لإقرار النظام الأساسي الجديد. ويؤكد أن هذا التحول لا يقطع مع إرث منظمة أوابك بل يبني عليه لتطويره وتعميقه، بما يكفل تحويل المنظمة العربية للطاقة إلى “بيت الخبرة العربي” في قضايا الطاقة.. وإلى نص الحوار ..
نبدأ بسؤال عن خلفية القرار ودوافعه، خاصة ما يتعلق منه بتوسيع النشاط والعضوية وإعادة تحديد الهوية والدور؟
يجدر التأكيد بدايةً على الدور الكبير الذي لعبته منظمة أوابك منذ تأسيسها في العام 1968. والتنويه بأهمية الإنجازات التي تحققت والتي جاءت تلبية لاحتياجات كل مرحلة ومنسجمة مع معطياتها. وبهذا المعنى فإن إعادة الهيكلة ليست قطعاً مع الماضي، بل بناء عليه لاستكمال مسيرة الإنجاز وفقاً لمعطيات وتطورات المرحلة الحالية. وأبرزها تطور صناعة الطاقة وتزايد الاهتمام بالطاقة المتجددة والنظيفة والمستدامة. وتصاعد الاهتمام بقضايا البيئة وتغير المناخ. وهو ما أفرز تحديات جديدة للدول الأعضاء. وكان لزاماً على المنظمة مراجعة وتطوير نشاطاتها وأهدافها، وحتى تسميتها لتتماشى مع التطورات ولمواجهة التحديات، وذلك من خلال فتح الباب أمام الدول العربية الأخرى للانضمام إلى عضويتها. وتوسيع النشاط ليشمل كافة مصادر الطاقة. بما يمكنها من لعب دور أكبر وأكثر فاعلية وفق رسالة ورؤية عصرية أكثر شمولاً وقدرة على مواجهة تحديات العصر.
والجدير بالذكر أن قرار إعادة هيكلة المنظمة، تم بناءً على اقتراح تقدمت به المملكة العربية السعودية. وأيدته بقية الدول الأعضاء. وقد أصدر مجلس وزراء المنظمة في اجتماعه الذي عُقد بدولة الكويت بتاريخ 12 ديسمبر 2022، القرار رقم 9/109 بالموافقة على إعادة الهيكلة. وتم تشكيل لجنة من الدول الأعضاء والأمانة العامة لدراسة كيفية تنفيذ القرار. وفي 11 ديسمبر 2023، قرر المجلس التعاقد مع مكتب استشاري عالمي لإعداد الدراسة المتعلقة بتطوير أعمال المنظمة وإعادة هيكلتها. وكان ذلك إيذاناً ببدء تنفيذ مشروع التطوير وإعادة الهيكلة.
المرحلة الأولى: تعديل الاتفاقية
ماهي الخطوات الفعلية التي تم اتخاذها في هذا الإطار؟
بعد مسيرة عمل استمرت لفترة عامين، بدأ مجلس وزراء المنظمة بجني أول الثمار بعد بحث مخرجات تقرير المرحلة الأولى من الدراسة المتعلقة بمشروع تطوير وإعادة هيكلة المنظمة. حيث أصدر الاجتماع الوزاري رقم 113 الذي انعقد في دولة الكويت في 15 ديسمبر 2024 القرار التاريخي رقم 2/113. والذي من ضمن ما نص عليه، اعتماد التقرير النهائي المتعلق بالمرحلة الأولى من دراسة مشروع تطوير أعمال المنظمة. وتغيير الاسم ليصبح “المنظمة العربية للطاقة (AEO)”. بما يعكس دورها المستقبلي في تعزيز التعاون العربي في كافة مجالات الطاقة، بما في ذلك مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة.
قرار إعادة الهيكلة استند إلى اقتراح سعودي أيدته الدول الأعضاء بالإجماع
ويُعطي هذا القرار الضوء الأخضر للمنظمة لمواصلة جهود تطوير نشاطاتها وأعمالها، بعد إقرار المرحلة الأولى من المشروع، التي تضمنت التعديلات المقترحة على اتفاقية إنشاء المنظمة. علماً بأن التعديلات الجوهرية المقترحة على الاتفاقية ستدخل حيز التنفيذ فور الانتهاء من اعتمادها حسب الإجراءات النظامية لكل دولة من الدول الأعضاء.
وقد شرعت الأمانة العامة مؤخراً في اتخاذ الخطوات الفعلية اللازمة لتنفيذ المرحلة الثانية من مشروع التطوير بعد أن تم تحديد الاستشاري المناسب الذي سيتولى مهام تنفيذ عدد من المبادرات التي تم إقرارها في دراسة المرحلة الأولى. والتي اعتبرت أنها ذات الأولوية القصوى والمتضمنة مراجعة وتحديث النظم واللوائح والهيكل التنظيمي والنموذج التشغيلي.
المرحلة الثانية: النظم واللوائح
أين وصلت التحضيرات العملية لإقرار النظام الأساسي الجديد واللوائح التنظيمية المصاحبة له؟
إن تنفيذ القرار التاريخي رقم 2/113 تطلّب إجراء دراسة دقيقة، وتقييم شامل، للتطورات والتحديات، التي شهدها قطاع الطاقة، على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية، خاصةً خلال السنوات القريبة الماضية. حيث فرضت التحولات المتسارعة، التي شهدها ويشهدها قطاع الطاقة، مراجعة وتطوير نشاطات وأهداف المنظمة لتشمل جميع المجالات المندرجة ضمن قطاع الطاقة والمتعلقة به. وذلك بهدف تعزيز دور المنظمة كمحفّز للتعاون وتبادل الخبرات، بين الدول الأعضاء، فيما يتعلق بشؤون الطاقة وقضاياها. إضافة إلى بحث الفرص، ومواجهة التحديات التي تواجه هذا القطاع الحيوي. والإسهام في بناء الكفاءات والقدرات الوطنية للدول الأعضاء في قطاع يُشكل ركيزة أساسية لاقتصادات هذه الدول.
يتم حالياً استكمال المرحلة الثانية، وتشمل خطة وآلية تنفيذ المبادرات الاستراتيجية، النموذج التشغيلي والهيكل التنظيمي، تحديث النظم واللوائح
وقام مجلس وزراء المنظمة الموقر بتكليف الأمانة العامة بإعداد مسودة تقرير المرحلة الثانية من مشروع تطوير المنظمة وإعادة هيكلتها. والذي يشمل إعداد خطة وآلية تنفيذ المبادرات الاستراتيجية، والنموذج التشغيلي والهيكل التنظيمي الجديد، وتحديث النظم واللوائح ذات الصلة. وذلك استناداً إلى مخرجات المرحلة الأولى. التي تضمنت تحديث الرؤية والرسالة وتغيير اسم المنظمة واعتماد خمس عشرة مبادرة استراتيجية. ومن ضمن تلك المبادرات نذكر مبادرة الشراكة مع مقدمي خدمات خارجيين. ومبادرة لوضع خطة بحثية للمؤسسة. ومبادرة لإقامة شراكات استراتيجية مع منظمات ومؤسسات وجامعات. ومبادرة لوضع خطة تسويق واتصال. وأخرى لوضع خارطة طريق تكنولوجيا. ومبادرة لوضع برنامج للتدريب وتبادل المعرفة وغيرها.
وفي هذا الصدد، قامت الأمانة العامة بإعادة تصنيف تلك المبادرات الاستراتيجية إلى ثلاث فئات حسب الأولوية، ومن حيث آلية التنفيذ. كما قامت بإعداد إطار عام لخطة تنفيذ المبادرات ذات الأولوية القصوى المتضمنة مراجعة وتحديث النظم واللوائح والهيكل التنظيمي والنموذج التشغيلي. كما تم إعداد وطرح كراسة شروط المناقصة المحدودة. ومن ثم تقييم العروض الفنية والمالية للعطاءات المقدمة. وتم اختيار الاستشاري المناسب لتنفيذ المرحلة الثانية من المشروع. وبعد الانتهاء من إعداد جميع اللوائح والنظم الداخلية سوف يتم جمع كل هذه الأنظمة وإصدار النظام الأساسي للمنظمة في حلته الجديدة.
آليات العمل والتمويل
كيف سيؤثر توسيع العضوية على ديناميكية عمل المنظمة واتخاذ القرار؟ وهل ستكون مصادر التمويل المتاحة كافية لدعم توسعة الأنشطة وتفعيلها؟
عودةً إلى الوراء، تُعَدُّ كلٌّ من المملكة العربية السعودية، ودولة الكويت، ودولة ليبيا، الدول المؤسِّسة للمنظمة في عام 1968. وكان الشرط الأساسي للانضمام للمنظمة عند تأسيسها هو أن يكون البترول “مصدراً أساسياً” للدخل القومي. ثم عُدِّل هذا الشرط ليصبح “البترول مصدراً مهماً للدخل القومي”. وأخذت عضوية المنظمة في التوسع منذ عام 1970 لتضم كلًا من دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر ومملكة البحرين والجمهورية الجزائرية. وانضم إليها كلٌّ من الجمهورية العربية السورية وجمهورية العراق في عام 1972، وانضمت جمهورية مصر العربية في عام 1973، ثم الجمهورية التونسية في عام 1982 وعُلِّقت عضويتها في عام 1986. وتضم المنظمة حالياً تضم 10 دول عربية.
ويعكس مشروع تطوير أعمال المنظمة، وتغيير الإسم ليصبح “المنظمة العربية للطاقة”، دورها المستقبلي في تعزيز التعاون العربي في كافة مجالات الطاقة، بما فيها مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة. كما يفتح المجال لبقية الدول العربية للانضمام للمنظمة، فتلك الدول لها اهتمامات كبيرة بمصادر الطاقة الأخرى وعلى رأسها الطاقات المتجددة، وهذا سيوسع دون شك من نشاط وأعمال المنظمة الجديدة. مما سينعكس على الهيكل الجديد من خلال استحداث مكاتب أو أقسام أو إدارات ووظائف جديدة تُناط بها مهام متابعة التطورات والمستجدات التي تشهدها صناعة الطاقة بشكل عام.
وهذا التوسع سيتبعه توسع في الكادر الوظيفي ليتضاعف عدد الموظفين، وسيترتب على ذلك ارتفاع في حجم الميزانية المخصصة لتفعيل جميع الأنشطة الجديدة بشكل تدريجي وسلس. ونحن على ثقة تامة بأننا قادرون على إنجاز جميع عناصر خطة تطوير المنظمة في القريب العاجل وفي الوقت المحدد لها، بفضل الدعم اللامحدود الذي نتلقاه من الدول الأعضاء، ممثلةً في أصحاب السمو والمعالي وزراء الطاقة والنفط. كما أننا، وفي ضوء تجاربنا العملية السابقة في المنظمة، فإننا نتوقع أن يستمر التجانس والدعم الذي تتلقاه الأمانة العامة من جميع الدول الأعضاء مما يسهل علينا عملية اتخاذ القرارات والمحافظة على ديناميكية عمل المنظمة.
النفط والطاقة المتجددة: تكامل لا تعارض
تواجه المنظمة تحدياً فريداً يتمثل بتكييف دينامية العمل والتوجهات لتلائم دعم النفط والغاز والطاقة المتجددة في الوقت ذاته، وهو أمر لم توفق فيه منظمات دولية كبيرة . كيف تنظرون إلى هذه المسألة؟
هذا السؤال يقودنا للحديث عن التوجهات العالمية نحو تحولات الطاقة المنشودة. وكما هو معلوم، فالدول العربية تلعب دوراً مهماً في أسواق النفط والغاز بفضل امتلاكها لنحو 54 في المئة من الاحتياطي العالمي المؤكد من النفط. وحوالي 27 في المئة من الاحتياطي العالمي للغاز. وتستحوذ على 25 في المئة من الإنتاج العالمي من النفط الخام و 15 في المئة من الإنتاج العالمي للغاز. وشكلت الصادرات النفطية للدول العربية نحو 30 في المئة من الإجمالي العالمي، وحوالي 18 في المئة من إجمالي صادرات الغاز بنوعيه. وتشير العديد من التوقعات إلى أن حصة النفط والغاز في مزيج الطاقة العالمي في عام 2050 ستصل إلى 53 في المئة. وستلعب الدول العربية المنتجة والمصدرة للنفط والغاز دورا مهماً أيضاً في المستقبل في تلبية الطلب العالمي على النفط والغاز بفضل الميزات النسبية التي تتمتع بها. ومنها وفرة الاحتياطيات، وانخفاض تكلفة الإنتاج.
كما تبذل الدول العربية جهوداً كبيرة في تنمية مواردها من الطاقات المتجددة مستغلةً بذلك أعلى سطوع شمسي متوفر لديها على مستوى العالم وسرعة رياح معتدلة إلى مرتفعة ذات جدوى فنية. وذلك من خلال وضع السياسات الاستراتيجية والأهداف الطموحة لاستغلال الطاقات المتجددة. حيث وضعت كل دولة خطة استراتيجية لاستخدام الطاقات المتجددة لتوليد الطاقة الكهربائية من أجل تنويع مزيج الطاقة المستهلكة.
إن المساعي التي تبذلها الدول العربية نحو تحولات الطاقة المنشودة جديرة بالاهتمام. فالدول العربية التي تتمتع بإمدادات ضخمة من الهيدروكربونات تنتهج مساراً لصافي انبعاثات صفرية بالاعتماد على إزالة الكربون من النفط والغاز من خلال استغلال التطورات التكنولوجية التي تُمكن من إنتاج طاقة نظيفة. فاستغلال تقنيات احتجاز واستخدام وتخزين الكربون (CCUS) في عمليات إنتاج واستهلاك الوقود الأحفوري مع التحكم في انبعاثاته، سيعزز بدون شك إمكانية وصول العالم إلى الحياد الصفري المنشود في عام 2050. وبذلك ستكون هذه المصادر جزءا من الحل نحو التحول لمصادر طاقة أكثر ديمومة بشكل يأخذ في الاعتبار الظروف والأولويات الوطنية لكل دولة. وفي المقابل، نجد الدول العربية الأخرى التي تتمتع بموارد وفيرة من الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، تنتهج نهجاً مغايراً نحو تحولات الطاقة.
وستستمر المنظمة في بذل الجهود مع دولها الأعضاء والمنظمات العربية والإقليمية والدولية في سبيل زيادة الشفافية وتعزيز الثقة فيما يتعلق بالتوقعات المستقبلية. ومن أجل توحيد الرؤى والتوجهات حيال قضايا البيئة وتغير المناخ. وستواصل المنظمة تأكيدها على أن قطاعي النفط والغاز هما جزء من عملية إيجاد حلول عملية وواقعية لمعضلة الطاقة. كما تؤكد في ذات الوقت في جميع المحافل الدولية على أهمية التركيز على نهج شامل يناسب جميع الشعوب ويركز على استخدام جميع أنواع الطاقة ويشجع جميع أنواع التكنولوجيا.
مستقبل منخفض الكربون رحلة معقدة ومتعددة الأوجه
بات واضحاً ان العالم يحتاج إلى كل مصادر الطاقة المتاحة حالياً والممكنة مستقبلاً، فهل نطمح ان تلعب المنظمة دور «بيت الخبرة العربي» لتقديم النموذج البحثي والإعلامي المتوازن لتحقيق «المصالحة» بين أمن الطاقة وأمن المناخ انطلاقاً من الترابط والتكامل بينهما وليس التناقض، كما هو الواقع حالياً؟
أن الرحلة نحو مستقبل منخفض الكربون تبدو معقدة ومتعددة الأوجه، فهي تنطوي على أهمية إيجاد توازن دقيق بين ضمان أمن الطاقة من جهة، وبين القدرة على تحمل التكاليف والاستدامة من جهة أخرى وهو ما بات يعرف بمعضلة الطاقة الثلاثية.
ومن الملاحظ أنه هناك إصرار على ربط بيئة خالية من الكربون بالدعوة للتخلي عن صناعة النفط والغاز والانتقال إلى الطاقة المتجددة والمستدامة. حيث إن هذه الدعوات تمثل معضلة كبيرة ليس فقط للدول التي تعتمد على النفط والغاز كمورد أساسي لدخلها القومي، ولكنها تؤثر على جميع دول العالم وخاصة العالم الثالث. لأنها تزيد من معضلة الطاقة الثلاثية المتمثلة في تحقيق التوازن بين أمن الطاقة واستدامتها والقدرة على تحمل تكاليفها. ونحن نؤكد في المنظمة وبشكل دائم على ثلاث نقاط رئيسية وهي:
أولاً، يجب أن يسير أمن الطاقة وعملية خفض وإزالة الكربون جنباً إلى جنب، وهذه ليست أهدافا متعارضة، بل تعتبر جوانب متشابكة لمستقبلنا.
ثانياً: مستقبل الطاقة المستدام يتطلب تبني جميع مصادر وتقنيات الطاقة بلا استثناء، وتعاون دولي مع استثمارات غير مسبوقة.
ثالثاً: يجب إدراك أن كل دولة لديها مسارها الفريد لتحقيق تحول الطاقة الخاص بها وفقاً لمصالحها وامكاناتها المتاحة. وعليه فإن “تحولات الطاقة” هو المصطلح الصحيح الواجب استخدامه، وليس “تحول الطاقة”. لأن تحول الطاقة في أي دولة يمكن أن يختلف بشكل كبير عن أجزاء أخرى من العالم. وهنا تجدر الإشارة إلى أن صناعة النفط والغاز بدأت بالفعل في الاستجابة للتوجهات العالمية المرتبطة بخفض الانبعاثات الكربونية والوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.
التقاط الكربون
إضافة إلى ضرورة دعم مصادر الطاقة النظيفة، هل ترون إمكانية وضرورة لدعم جهود «تنظيف» النفط والغاز من خلال التقاط الكربون وبخاصة مشاريع الهيدروجين الأزرق على سبيل المثال؟
نحن نسعى بعد أن يتم الإنتهاء من جميع مراحل مشروع التطوير، أن يكون للمنظمة دوراً كبيراً في مشهد الطاقة المستقبلي، وذلك انطلاقاً من من سياساتها وأهدافها الطموحة في مجال الطاقة المتجددة، لا سيما في ظل ما تمتلكه الدول العربية من مصادر وفيرة وقدرات عالية من مصادر الطاقات المتجددة (الشمسية والرياح). وتبنيها لاستراتيجيات وخطط مستقبلية محددة بأطر زمنية لتعزيز قدرات إنتاج الهيدروجين والحصة المستهدفة من هذه السوق العالمية الواعدة.
كما تهتم المنظمة برفع كفاءة استخدام الطاقة من خلال الاستثمار والابتكار والتطوير المستمر في التقنيات النظيفة مثل احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS). وتعزيز استخدام تقنيات التحول الرقمي المرتبطة بتحسين العمليات الاستخراجية للنفط والغاز. بما يساهم بشكل كبير في تقليل الأثر البيئي وخفض الانبعاثات الكربونية، وصولاً إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. وذلك جنباً إلى جنب مع المحافظة على استقرار وأمن إمدادات الطاقة العالمية.
لقد لعبت الدول العربية دوراً أساسياً في تأمين إمدادات الطاقة العالمية لعقود. وهي اليوم تسهم بفعالية في جهود نزع الكربون وضمان استدامة قطاع الطاقة. حيث يشكل الاستثمار في الهيدروجين منخفض الكربون جزءًا رئيسياً من استراتيجياتها المستقبلية. فعدد مشروعات إنتاج وتصدير الهيدروجين منخفض الكربون المعلنة في الدول العربية وصل الى 127 مشروعاً بنهاية 2024. وهناك تسع دول عربية وضعت أهدافاً طموحة لإنتاج الهيدروجين منخفض الكربون تصل إلى 8 ملايين طن سنوياً بحلول 2030. على أن تتضاعف إلى 27.5 ملايين طن سنوياً بحلول 2040، حال وصول سوق الهيدروجين العالمي إلى مرحلة النضوج. وهناك ست دول عربية قامت بالانتهاء من الاستراتيجية الوطنية للهيدروجين. وهناك عدد مماثل تقريباً يعمل على الانتهاء منها. ومنهم من أنجز إعداد خريطة الطريق الوطنية للهيدروجين وهي المرحلة التي تسبق الاستراتيجية الوطنية.
ومن ضمن المشروعات الرائدة التي تعزز ريادة الدول العربية في سوق الهيدروجين، مشروع الأمونيا الزرقاء في دولة قطر بطاقة 1.2 مليون طن سنوياً، والمتوقع تشغيله في 2026. ومشروع الأمونيا الزرقاء في دولة الإمارات بطاقة 1 مليون طن سنوياً ضمن منظومة “تعزيز” الصناعية المتكاملة في مجمع الرويس، والمتوقع تشغيله في 2026. و مشروع “نيوم للهيدروجين الأخضر” في المملكة العربية السعودية، الذي يعد الأكبر عالمياً بطاقة 1.2 مليون طن سنوياً من الأمونيا الخضراء، والمتوقع تشغليه 2026. وكذلك مشروع الهيدروجين الأزرق في الجبيل بطاقة 153 ألف طن سنوياً.
نحن بالأمانة العامة نعي أهمية صناعة الهيدروجين الأزرق والاخضر في إستراتيجية الوصول إلى الحياد الكربوني حيث أنها من الحلول المعتمدة والمقبولة دولياً رغم أنها لاتزال في بداياتها وتحتاج الى سنوات من البحث والتطوير لتحسين اقتصاديات إنتاجه ونقله وتخزينه. لذلك تقوم المنظمة بدعم هذا النشاط بكل إمكانياتها المتاحة من خلال عمل الدراسات والبحوث وعقد ورش العمل والاجتماعات الدورية التي يدعى لها الخبراء والمختصين في الدول العربية وخارجها لبحث آخر ما توصلت إليه هذه الصناعة ووضع الاقتراحات والحلول لمحاولة التغلب على التحديات التي تواجهها.
الطاقة النووية
استكمالاً للسؤال، كيف تنظرون إلى دور المنظمة في دعم وترويج الانفتاح العربي على مصادر الطاقة المستقبلية مثل طاقة الاندماج النووي، الطاقة النووية التقليدية المعتمدة على مفاعلات الثوريوم؟
لا شك أن المنظمة تدعم الانفتاح العربي على كافة مصادر الطاقة المستقبلية بما في ذلك طاقة الاندماج النووي. وتقوم المنظمة بالترويج لذلك من خلال تخصيص جلسة من جلسات مؤتمر الطاقة العربي لتناول “دور الطاقة النووية في تحولات الطاقة”. فضلاً عن المتابعة الدورية للتطورات في قطاع الطاقة النووية بشكل عام، سواء من خلال تقرير الأمين العام السنوي أو التقرير الجديد للمتابعة الفصلية حول مستجدات الطاقات الجديدة والمتجددة وقضايا تحولات الطاقة وتغير المناخ.
هذا وتجدُر الإشارة إلى أن بعض الدول العربية بدأت بالفعل في السعي نحو تعزيز قدراتها من الطاقة النووية لأغراض سلمية، بينما واجهت دول أخرى تحديات حالت دون تقدُم مشروعاتها النووية. وتُعد الإمارات هي الدولة العربية الأولى التي تمتلك محطة طاقة نووية عاملة “محطة براكة”. التي تضم 4 وحدات، تساهم في توفير 25 في المئة من احتياجات الكهرباء. وتعمل مصر على إنشاء محطة الضبعة للطاقة النووية التي تتكون من 4 وحدات. ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل أول مفاعل في عام 2028. وتخطط المملكة العربية السعودية للاستفادة من مواردها الغنية من اليورانيوم في دعم إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية، وإضافة نحو 17 جيغاواط من الطاقة النووية بحلول عام 2040. وتسعى العراق حالياً إلى إعادة بناء قدراتها النووية لأغراض سلمية، مع التركيز على الأبحاث الطبية والصناعية. وفي المغرب، يتم تقييم إمكانية إدخال الطاقة النووية ضمن مزيج الطاقة الوطني لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء.
أما فيما يخص الطاقة النووية التقليدية المعتمدة على عنصر الثوريوم، فلا توجد في الدول العربية أي مشروعات قيد التنفيذ أو مخططة لبناء مفاعلات من هذا النوع، لكن الاهتمام المتزايد بهذا المجال قد يؤدي إلى تبني تلك التكنولوجيا في المستقبل. يذكر أن مصر تحتل المرتبة الخامسة عالمياً من حيث احتياطيات الثوريوم بكمية تُقدر بنحو 380 ألف طن. ولكن هناك العديد من العقبات الاقتصادية والتقنية التي تحول دون الانتشار الواسع لاستخدام الثوريوم. فعلى الرغم من وفرته، إلا أن تكلفة استخراجه وفق التقنيات المتوفرة الحالية تعد مرتفعة إذا ما قورنت باليورانيوم. فضلاً عن الافتقار إلى الخبرة اللازمة للتعامل مع الثوريوم، وصعوبة إعادة معالجة وقود الثوريوم المستهلك.
وبشكل عام، تواجه الدول العربية العديد من التحديات المشتركة في تطوير برامجها النووية، تشمل الحاجة إلى بناء بنية تحتية متقدمة، وتدريب الكوادر البشرية الفنية المتخصصة في المجال النووي، وضمان التمويل اللازم، وتعزيز التعاون الإقليمي في مجال البحث والتطوير، إلى جانب وضع تشريعات صارمة لضمان سلامة المنشآت والتعامل الآمن مع النفايات المشعة.
بناء الكفاءات والتدريب
في سياق الحديث عن دور «بيت الخبرة العربي»، كيف ترون دور المنظمة مستقبلاً في دعم مبادرات نقل المعرفة وبناء القدرات وبرامج البحث والتطوير في مجالات الطاقة المتقدمة/ الاحفورية والمتجددة؟
من المأمول أن تلعب المنظمة في المستقبل دور «بيت الخبرة العربي»، فلدينا العديد من المبادرات الاستراتيجية التي سنعمل على تنفيذها في القريب العاجل، والتي من ضمنها مبادرة لإقامة شراكات استراتيجية مع منظمات ومؤسسات وجامعات، ومبادرة لوضع خطة تسويق واتصال، وأخرى لوضع خارطة طريق تكنولوجيا، ومبادرة لوضع خطة بحثية للمنظمة، ومبادرة لوضع برنامج للتدريب وتبادل المعرفة وغيرها.
جميع المبادرات الاستراتيجية ستمثل نقطة الانطلاق نحو تحقيق الأهداف الجديدة للمنظمة والتي تنص على تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء لمواجهة تحديات توجهات الطاقة على جميع الأصعدة الوطنية والإقليمية والدولية، وتعزيز حضور المنظمة في المحافل الدولية وإبراز جهود دولها الأعضاء. فضلا عن الاسهام في بناء الكفاءات الوطنية في مجالات الطاقة في الدول الأعضاء. وقد تم تحديد عوامل التمكين اللازمة لضمان تحقيق نتائج ملموسة لهذه الأهداف.
الشركات العربية المشتركة
تم تأسيس العديد من الشركات والمؤسسات تحت مظلة «أوابك»، ما هو مستقبل هذه الكيانات؟ وهل هناك توجّه لإعادة هيكلتها بما يتوافق مع التوجهات الجديدة للمنظمة، وبما يكفل تفعيل بعضها أو تعزيز نجاح بعضها الآخر كما في حالة الصندوق العربي للطاقة؟
تجدر الإشارة إلى أن الشركات الأربع المنبثقة عن منظمة أوابك وهي الشركة العربية البحرية لنقل البترول، والشركة العربية لبناء واصلاح السفن، والشركة العربية للاستثمارات البترولية، والشركة العربية للخدمات البترولية، تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة قانونياً، ولها مجالس إدارات وجمعيات عمومية تضم ممثلي الدول المساهمة، وتتمتع بالصلاحية الكاملة لإدارة شؤونها. وقد تم إنشاء هذه الشركات بشراكة بعض الدول الأعضاء في المنظمة، وليس جميع الدول الأعضاء مساهمين في كل الشركات. وعلى مدى العقود الماضية، ساهمت الشركات العربية المنبثقة عن المنظمة بصورة فاعلة، في تعزيز مسيرة الصناعة البترولية العربية.
وإذا كان هناك أي توجّه لإعادة الهيكلة بما يتوافق مع التوجهات الجديدة للمنظمة فهذا الأمر من صلب اختصاصات مجالس إدارات تلك الشركات. فهي المخولة باعتماد مثل هذه التوجهات، كما حدث مؤخرا مع الشركة العربية للاستثمارات البترولية “ابيكورب” التي تحولت الى “الصندوق العربي للطاقة”. والذي حمل على عاتقه رؤية ورسالة جديدة تنص على «العمل على دعم منظومة الطاقة في المنطقة العربية من خلال مجموعة من الحلول التمويلية والاستثمارية المصممة لتعزيز أمن واستدامة الطاقة، وتطوير سلاسل القيمة المحلية والنهوض بمستوى الخدمات. والمساهمة في إحداث التأثير الإيجابي من خلال دعم الازدهار الاقتصادي وتمكين المجتمعات المحلية من خلال تنمية المواهب وبناء المعارف والخبرات».