تحوّل غير مسبوق في صناعة السكر… واقتراب مصر من الاكتفاء الذاتي
كتب فتحي السايح
في تطور يعكس تغيّرًا جذريًا في خريطة الإنتاج الزراعي والصناعات الغذائية، تتجه الحكومة المصرية إلى تطبيق سياسة حظر استيراد السكر المكرر مؤقتًا، بعد أن قفز الإنتاج المحلي من بنجر السكر وقصب السكر إلى مستويات غير مسبوقة خلال العامين الأخيرين.
هذا التوجّه، الذي بدأ فعليًا بقرار وزير الاستثمار والتجارة الخارجية رقم 485 لسنة 2025، يأتي في وقت يشهد فيه السوق وفرة كبيرة في الإنتاج المحلي،
هذه البداية اكدها الدكتور ابراهيم درويش استاذ الزراعة بالمنوفية؛ مضيفا فى تصريح صحفى اليوم هذا ما دفع الدولة لإعادة حساباتها بشأن استمرار الاعتماد على الواردات، وفتح الباب أمام حماية الصناعة الوطنية وتحقيق الاكتفاء الذاتي.
ارتفاعات قياسية في زراعة البنجر والقصب… والأرقام تؤكد ذلك
بحسب بيانات وزارة الزراعة والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، ارتفعت مساحة بنجر السكر بنسبة 25% خلال عام واحد، لتصل إلى 750 ألف فدان مقارنة بنحو 600 ألف فدان في العام السابق.
كما تشير التقديرات إلى أن إنتاج بنجر السكر في موسم 2025 سيبلغ 2.5 مليون طن، إلى جانب 1.1 مليون طن من السكر الخام الناتج عن محصول القصب.
وبذلك يصل إجمالي إنتاج السكر في 2025 إلى نحو 2.6 مليون طن، ارتفاعًا من 2.3 مليون طن في عام 2024، مع توقعات بالوصول إلى 2.9 مليون طن في عام 2026، وهو ما يضع مصر على أعتاب تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل لأول مرة منذ عقود.
واشار د. ابراهيم في المقابل، تراجعت واردات السكر الخام بنسبة 54.5% خلال الربع الأول من 2025، مسجلة 111.1 مليون دولار فقط، وهو انخفاض يعكس بوضوح تحوّل مصر نحو الاعتماد على الإنتاج المحلي.
وهذه الطفرة جاءت نتيجة خطط توسعية في الزراعة التعاقدية، وتطوير أصناف البنجر، وتحسين إنتاجية القصب عبر الشتل، إلى جانب سلسلة تحديثات في خطوط الإنتاج بالمصانع الكبرى.
مخزون استراتيجي هو الأكبر منذ سنوات… وأسعار أكثر استقرارًا
واشار استاذ زراعة المنوفيه الى ان بيانات وزارة التموين إلى أن المخزون الاستراتيجي من السكر يكفي أكثر من 13 شهرًا، وهي سابقة لم تسجلها السوق منذ سنوات طويلة.
هذا المخزون المطمئن منح الدولة مساحة آمنة للتفكير في تقييد الاستيراد دون مخاوف من حدوث نقص فعلي.
وقد شهدت الأسعار انخفاضًا تدريجيًا خلال النصف الثاني من 2025، حيث وصل سعر الطن إلى نحو 27 ألف جنيه بدلًا من 30–32 ألف جنيه في بداية العام، بفضل الوفرة المحلية وانضباط السوق.
لماذا تتجه الدولة للحظر؟… رؤية اقتصادية وليست إدارية
وقال قرار الحظر ليس إجراءً إداريًا بحتًا، بل يأتي في إطار توجّه اقتصادي يستهدف:
حماية المنتج المحلي بعد التوسع غير المسبوق في المساحات المزروعة.
وخفض الضغط على الدولار بعد سنوات استيراد اقتربت فيها مصر من 400 ألف طن سنويًا.
وتعزيز تنافسية المصانع وزيادة معدلات التشغيل.
٤-دعم مشروعات كبرى مثل مصنع القناة للسكر الذي ينتج 350 ألف طن سنويًا ويستهدف 750 ألف طن في 2026.
وافاد د. ابراهيم لكن هذا التوجّه يتطلب رقابة صارمة لتجنب سيناريوهات سلبية مثل رفع الأسعار بشكل غير مبرر، أو تنشيط السوق السوداء مع اقتراب موسم رمضان، أو التأثير على الصناعات الصغيرة التي تعتمد على سكر بمواصفات خاصة.
قطاع النحل والعسل… حضور خفي في معادلة السكر
ومن القطاعات التي قد تتأثر — ولو بشكل غير مباشر — بصعود أسعار السكر، قطاع تربية النحل وإنتاج العسل، إذ يعتمد النحالون على المحاليل السكرية خلال فترات نقص الرحيق.
ولضمان استقرار القطاع، يطرح خبراء النحل مقترحًا عمليًا يتمثل في تسليم حصص من السكر للنحالين المرخصين بأسعار اقتصادية، بما يدعم الإنتاج ويعزز صادرات العسل المصري.
ونوه د. درويش الى أبرز التحديات:احتمال زيادة الطلب الموسمي قبيل رمضان. وتخزين بعض التجار لكميات من السكر بغرض المضاربة. وتأثر بعض الصناعات التي تعتمد على السكر المستورد.
اماأبرز الفرص فهى :الاقتراب من الاكتفاء الذاتي الكامل في 2026.
وخفض فاتورة الواردات وتحسين الميزان التجاري.ودعم الصناعات التحويلية المرتبطة بالسكر.
بالاضافة إلى التوسع في إنتاج الطاقة الحيوية والسماد العضوي من مخلفات البنجر والقصب.
واختتم استاذ الزراعة تصربحه بان وفرة الإنتاج تصنع القرار… والقرار يمهّد لمستقبل جديد
واكد ان مصر تتجه نحو مرحلة جديدة في صناعة السكر، تقودها وفرة الإنتاج المحلي، وتفرض معها إعادة النظر في سياسات الاستيراد.
فالتحوّل من “مستهلك كبير” إلى “منتج ومُصدّر محتمل” لم يعد حلمًا بعيدًا، بل واقعًا تدعمه الأرقام والمخزون والسياسات الزراعية الحديثة.
ومع الإدارة المرنة والرقابة المنضبطة، يمكن لهذا القرار أن يكون نقطة انطلاق نحو صناعة قوية ومستدامة، تحقق لمصر حلاوة الاكتفاء… دون مرارة الاحتكار.

