في ظل تفاقم الأزمات المناخية التي تهدد كوكبنا يظهر الاقتصاد الدائري كسلاح خفي بإمكانه قلب موازين الأمور وإنقاذ البيئة من الانهيار المحتمل .. هذا النهج الجديد ليس مجرد رؤية اقتصادية بل هو أسلوب حياة شامل يعيد صياغة كيفية تعاملنا مع الموارد والطاقة ويحوّل التحديات البيئية إلى فرص اقتصادية واعدة.
الاقتصاد الدائري على عكس النموذج التقليدي يعتمد على استدامة الموارد وتقليل الهدر من خلال إعادة التدوير والابتكار في جميع مراحل الإنتاج .. في عالم يعاني من استنزاف الموارد يأتي هذا النموذج كحل مبتكر يعيد التوازن بين حاجات الإنسان وحماية الطبيعة .. فهو يتيح لنا تحقيق النمو الاقتصادي دون التضحية بالبيئة ما يجعله الخيار الأمثل للتصدي للتغيرات المناخية.
وكما أشارت الدكتورة العظيمة وفاء علي في مقالها “علينا الاستثمار في الاقتصاد الدائري بالابتكار والقيادة في مجال الطاقة واحتجاز الكربون كأولوية في مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية.” هذا التصريح يعكس بوضوح الحاجة الماسة إلى تبني هذا النموذج ليس فقط كحل بيئي ولكن أيضا كاستراتيجية لتعزيز التنافسية الاقتصادية على الصعيدين المحلي والدولي.
ما يميز الاقتصاد الدائري هو قدرته على تحويل المخلفات والنفايات إلى موارد قيمة يمكن إعادة استخدامها في صناعات جديدة مما يقلل الضغط على الموارد الطبيعية ويخفض من انبعاثات الغازات الدفيئة. وفي هذا الصدد تؤكد د. وفاء علي أن “مصر لا تتعامل مع التحديات البيئية بمعزل عن باقي العالم” وهذا يتطلب من مصر أن تكون سباقة في تبني هذا النموذج وقيادة المنطقة نحو مستقبل أكثر استدامة.
إن تطبيق هذا النموذج بشكل فعال يتطلب التزاما سياسيا واستثمارات ضخمة في البحث والتطوير فضلا عن تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص .. وقد أشارت د. وفاء إلى هذه النقطة بقولها: “الاستثمار في الابتكار ليس خيارا بل ضرورة لتحقيق تقدم ملموس في مواجهة الأزمات البيئية.”
إضافة إلى ذلك يتطلب التحول إلى الاقتصاد الدائري تغييرا ثقافيا حيث يجب أن يتبنى الأفراد والشركات والمجتمعات بأكملها مفهوم الاستدامة كجزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية. فهذا التوجه الجديد ليس مجرد مسؤولية على عاتق الحكومات والشركات الكبرى فحسب بل هو واجب على كل فرد في المجتمع.
في خضم هذه التحولات البيئية الكبيرة ، يبقى الاقتصاد الدائري الأمل الأكبر لمواجهة الأزمات المناخية وبناء مستقبل أخضر أكثر استدامة .. مصر بفضل مواردها البشرية والاقتصادية قادرة على أن تكون في طليعة الدول التي تتبنى هذا النهج وتعيد صياغة موقعها على الساحة الدولية. فعلينا الاستثمار في الاقتصاد الدائري لتأمين مستقبل أجيالنا القادمةوهو دعوة للجميع للعمل معا من أجل تحقيق هذا الهدف النبيل.