مفاجأة تأثير استيراد مصر لشحنات الغاز المسال على الأسواق العالمية، وفقا لرأي خبراء ومؤسسات الطاقة الدولية، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك على أهميتها للمنطقة والقارة الأوروبية، ولقاءات المهندس كريم بدوي وزير البترول المكثفة مع مسئولي الشركات العالمية العاملة في مصر لوقف إنهيار إنتاج الغاز، بالتأكيد هو أحد السبل التي يجب على مصر العمل عليها خلال الفترة الراهنة ومستقبلا، لإعادة عمليات البحث والاستكشاف لمعدلاتها السابقة، بزيادة الاستثمارات وجذب المستثمريين إلى البلاد، الأمر الذي سيكون له التأثير البالغ في تقليل الطلب من الواردات الصافية لشحنات الغاز المسال، بعد أن عادت مصر خلال العامين الماضيين للاستيراد بعد أن حققت تصدير شحنات الغاز بعشرات المليارات.
فما أكدته التقارير الدولية لخبراء الطاقة من أن استيراد مصر لشحنات الغاز المسال لتأمين احتياجات البلاد من الغاز الطبيعي خلال فصل الشتاء القادم، لتوليد الكهرباء وباقي الصناعات المرتبطة بالغاز الطبيعي مثل البتروكيماويات، كان له التأثير الكبير على الأسواق العالمية، خاصة الدول الأوروبية بالقارة العجوز، وكان سببا في زيادة أسعار الغاز في الدول الأوروبية، بعد سعى مصر لشراء أكثر من 21 شحنة لتغطية الطلب في الصيف الحالي من الغاز الطبيعي المسال، والتي بدأت بالفعل الوصول إلى ميناء العين السخنة بدءًا من شهر يونيو الماضي، بعد استئجار مصر لوحدة تغييز، والآن طرح مناقصة لشراء 20 شحنة من الغاز المسال، تبدأ مصر في إستقبالها خلال شهر أكتوبر المقبل، لتغطية الطلب على الكهرباء خلال الشتاء القادم لمواجهة الانخفاض الحاد في إنتاج الغاز المحلي.
فلم يكن أحد يتوقع تأثير تحول مصر من تصدير الغاز إلى الإستيراد، على تجارة الغاز المسال العالمية، والتي آثارت المخاوف حول توازن الإمدادات للدول الأوروبية، رغم حرص دول أوروبا على تأمين إمدادات الغاز بعد الأزمة الروسية الأوكرانية، فقد عملت الدول الأوروبية على إستمرارية التدفقات من الغاز المسال من جميع أنحاء العالم، خلال العامين الماضيين، وكانت شحنات الغاز المسال المصرية سببا في تخفيف الأزمة على دول القارة العجوز، ثم جاء التحول في مصر من التصدير إلى الاستيراد، وطلب الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية «إيجاس» شراء 20 شحنة فورية للتسليم خلال شهر أكتوبر إلى شهر ديسمبر من خلال مناقصة تغلق في 12 سبتمبر الجاري، منهم 17 شحنة للتسليم إلى محطتها العائمة في ميناء العين السخنة، و3 شحنات للتسليم إلى ميناء العقبة في الأردن، مقسمة على شهور الشتاء منهم 6 شحنات في شهر أكتوبر و5 شحنات في شهر نوفمبر، و6 في ديسمبر والتي تصل إلى ميناء العين السحنة، وشحنة شهريًا في ميناء العقبة الأردني، لتثير مخاوف الدول الاوروبية في توفير بديل الغاز المصري المسال، حيث لجأت مصر خلال صيف الحالي، إلى استيراد شحنات من الغاز المسال للمرة الأولى منذ 2018، بالتزامن مع تراجع إنتاج الغاز المصري، لا سيما من حقل ظهر، والذي كان سببا في انخفاض إنتاج مصر من الغاز إلى أدنى مستوى له منذ 7 سنوات في يونيو، والذي أكدته التقارير العالمية الصادرة من الشركات المتخصصة ومراكز الأبحاث الدولية، حيث انخفض انتاج مصر من الغاز الطبيعي بنحو 25% عن ذروته في 2021، مع توقعات نظرة تشاؤمية حول انخفاض انتاج مصر أكثر خلال السنوات القادمة، والتي أكد عليها وزير البترول خلال شهر يوليو الماضي، أن أسباب انخفاض إنتاج البترول والغاز الطبيعي يرجع إلى زيادة المتأخرات المستحقة للشركاء الأجانب من شركات النفط العالمية.
الأمر الذي أدى إلى تباطؤ برامج الاستكشاف والتطوير، ومن خلال لقاءته مع رؤساء الشركات العالمية منذ توليه المسئولية، تلوح في الأفق انفراجه بعد تعهد الحكومة على جدولة الديون وسدادها ومعالجة التركمات في مستحقات الشركاء الأجانب خلال الفترة الحالية، والتي بدأت بالفعل من تصريحات الشركات العالمية على العمل على تطير الإنتاج وتنمية الانتاج للعودة إلى المعدلات نالتي كانت عليها البلاد قبل تراكمات الديون للشركاء الأجانب.
وزيارة وزير البترول الأخيرة إلى قبرص وإيطاليا ومن قبلها لقاءاته المكثفة مع الشركات العالمية العاملة في مصر، تؤكد أنه أصبح ملماً بدروب قطاع البترول المصري، وبدأ في استخدام المميزات التي يتملكها القطاع لتحقيق قيمة مضافة للتسهيلات المصرية، التي تعد ميزة تنافسية للبلاد لا تتوافر لأي دولة أخرى من دول البحر المتوسط، وهى شبكة الأنابيب والتسهيلات البحرية الخاصة بمصر، ومحطتي إسالة الغاز الطبيعي في إدكو ودمياط، هو الطريق الذي سيقلص من احتياجات البلاد من الغاز.
والمتابع لقطاع البترول المصري يجد إن السبب الرئيسي وراء تحول مصر من دولة مصدره للغاز الطبيعي إلى مستوردة له، هو غياب اكتشافات غاز كبيرة منذ اكتشاف حقل ظهر، بالبحر المتوسط، وذلك بسبب تراكم الديون للشركاء الأجانب، الأمر الذي أدى إلى تناقص معدلات إنتاج الغاز الطبيعي خلال السنوات الماضية، وبالفعل تصريحات شركة إيني الإيطالية خلال لقاء المهندس كريم بدوي بتطوير الإنتاج وبدء عمل 3 حفارات بشركة عجيبة للبترول للعودة إلى مستويات الإنتاج السابقة، وكذلك تصريحات باقي الشركات التي التقى بها وزير البترول من شأنها العمل على وقف تفاقم هبوط معدلات الإنتاج، من خلال تخصيص موارد مالية كافية لتطوير الحقول وحفر آبار جديدة، من أجل المحافظة على معدلات الإنتاج واستغلال القدرات المصرية لوقف هبوط الرقم الديناميكي للغاز الطبيعي.
وكذلك كان لقاء الوزير مع المسئولين بقبرص وطرح مشروع إنشاء ممر موثوق للطاقة بشرق البحر المتوسط ، ليكون الممر الآمن إلى أوروبا لنقل الغاز الطبيعي وكذلك الطاقة الخضراء، وكذلك الإسراع بتطوير احتياطيات الغاز الطبيعي في قبرص بإستخدام البنية التحتية الحالية في مصر، ونقل الغاز من المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص إلى مصر، لتسييله وتصديره إلى الأسواق العالمية الأمر الذي يحقق قيمة مضافة لمصر من استخدام امكانياتها البترولية بالبحر المتوسط.
قراءة وزير البترول للمشهد العام للقطاع في مصر أعتقد أنها اكتملت وتحولت إلى مرحلة التنفيذ، وإتخاذ قرارات من شأنها عودة مصر إلى تحقيق الإكتفاء الذاتي من الوقود، وهو الحلم الذي لن يتحقق بين ليلة وضحاها، ولكن يحتاج إلى سنوات لتحقيقه، ولكن مع جهود المهندس كريم بدوي ولقاءاته المكثفة، أمر يبشر بالخير خلال الفترة القصيرة القادمة، فهو يعمل بالتوازي في مختلف الإتجاهات، وأحكم قبضته على زمام الأمور بالقطاع، لتحقيق ما تصبوا إليه مصر من آمال مشرقة لقطاع البترول..
وأن غدا لناظره قريب .. وللحديث بقية ما دام في العمر بقية