8 يونيو، 2025
مقالات

أسامة القلماوي يكتب ..ما بين وبين، نحن نعيش حياة الـ”بين”.

 

شخوصٌ حقيقية في أوقاتٍ قد تبدو غير حقيقية، فالزمن وحده كفيل بأن يُعلّمنا ما لا تعلّمه الكتب.

ما بين الحقيقة والتمني، خيوطٌ كثيرة—قد تكون متينة، وقد تكون واهية—لكنها موجودة، لا مفر منها، ولا من قدريّتها.

فالقدر، بطبعه، يكتب ما يشاء، لا ما نشاء.
وبين ما نريده وما يُكتب لنا، آلاف الأميال، وربما مئات السنين.
كم من حلمٍ تكسّر على صخرة “قدرك حيصيبك”، وكم من تمنيٍّ تلاشى كالدخان في وجه الحقيقة.

من منا لم يحلم؟
من منا لم يتخيّل مدينة فاضلة، أو حياة وردية، أو علاقات تنساب بهدوءٍ دون عواصف؟
من منا لم يتمنَّ أن يمرَّ الزمن خفيفًا على كاهله، بلا كل تلك الأحمال؟

استوقفتني عبارة كانت كفيلة بطحن كل الأوهام: “عظامك ليست مصنوعة من زجاج… دع الحياة تصدمك. فلتُهزم، فلتُخطئ، فلتُخذل، فلتَيْأس… لا تهرب، دع الحياة تقوّيك.”

فكل هذا السعي المحموم للظهور بمظهرٍ مثالي، جعلني أوقن أن من يتصنّع المثالية، غالبًا ما يحمل داخله ندوبًا أعمق مما نتخيّل.
المبالغة في التديّن، المبالغة في التظاهر بالثراء، المبالغة في التظاهر بحسن الخلق… غالبًا ما تكون قناعًا يُخفي ضعفًا، أو قلقًا، أو صراعًا داخليًا.

نحن بشر.
الكمال لله وحده.
ولا بأس في أن نكون “عاديين” قليلاً… أن نخطئ، أن نحزن، أن نبكي، أن ننعزل.
فالصلابة لا تأتي من التظاهر بالقوة، بل من الاعتراف بالضعف، ومن مواجهة الحياة كما هي، لا كما نرغب.

في نهاية المطاف، لسنا إلا بشرًا.
ويجب أن نعيش الحياة كما ينبغي… لا بين “وبين”، بل بكامل وعينا وتجرّدنا.

عبد الوهاب مطاوع قال “إن الإنسان يولد مرتين، الأولى من رحم أمه، والثانية حين يكف عن الهروب من ذاته.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *