بدأت السنغال منذ أيام في استقبال أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال عبر سفينة التغويز العائمة الواقعة قرب العاصمة «دكار» .. لتدشن بذلك أول خطوة نحو الاعتماد على الغاز الطبيعي المسال في مزيج الطاقة المحلي وتحديداً في قطاع الكهرباء، لتخفيف اعتماد البلاد على استهلاك الوقود السائل في هذا القطاع.
والسنغال من البلدان الأفريقية الفقيرة جدا في البنية التحتية للغاز، فهي لا تملك شبكة لنقل الغاز إلى القطاع السكني، ولا القطاعات الصناعية، ولا أي قطاع آخر .. فهي بالأساس بلد «غير منتج» للغاز حتى اليوم.. حتى أن المرفأ العائم الجديد «سفينة التغويز»، القريب من سواحل العاصمة، يتم تغويز الغاز الطبيعي المسال من خلاله لضخ الغاز الطبيعي مباشرة عبر وصلة أنابيب إلى سفينة عائمة بجواره تحمل مولدات لتوليد الكهرباء التي يتم نقلها عبر أسلاك إلى برج للكهرباء بالشبكة المحلية.. وهي تقنية تستخدم في البلاد التي لا تملك أي بنية تحتية للغاز (الشكل المرفق)
وبالرغم من تلك التحديات، إلا أن السنغال غنية باحتياطيات الغاز ولديها عدة اكتشافات تم الإعلان عنها خلال السنوات العشر الأخيرة، أشهرها حقل السلحفاة – أحميم الكبير الذي يضم وحدة احتياطيات قابلة للاستخراج بنحو 15 تريليون قدم مكعب وتتقاسمه مع موريتانيا عبر الحدود المائية المشتركة، وبدأ مؤخراً تصدير أول شحنة من الغاز الطبيعي المسال التي توجهت صوب أوروبا.
أما الحقل الأكبر فهو حقل «ياكار» والذي يضم وحده نحو 20 تريليون قدم مكعب، ويقع بالكامل ضمن حدود السنغال المائية الاقتصادية، والمرجح أيضا استغلاله لغرض التصدير!
ويشكل بداية استيراد الغاز الطبيعي المسال في السنغال خطوة تاريخية نحو اعتماد البلاد على هذا الوقود الأقل تلويثا للبيئة، والأعلى كفاءة في الاحتراق من أي وقود آخر.
كما أنه يمهد الطريق أمام فتح الاستثمار لاستغلال الغاز محلياً جنباً إلى جنب مع خطط التصدير، فمن غير المنطقي أن تقوم السنغال بتلبية احتياجات أوروبا والعالم من الغاز من حقل السلحفاة وحقل ياكار، ولا تستطيع استغلال ثرواتها لتلبية أدنى احتياجات أهلها من الطاقة، أو أن تشتريه مسالاً بأغلى الأسعار!
ومن هنا تجدر الإشارة إلى أن نسبة وصول السكان إلى الكهرباء تبلغ نحو 75% وفق أحدث التقديرات، أي أن ربع السكان لا يملك رفاهية الوصول إلى خدمات الكهرباء الحديثة، ومن ثم فإن استغلال موارد البلاد من الغاز ضرورة لتلبية احتياجاتها وإن جاء هذا الإجراء ولو بشكل مؤقت عبر استيراد الغاز الطبيعي المسال غالي الثمن.
وختاما، فإن كان التاريخ مع روسيا التي ظلت أكبر مصدر للغاز على مدار عدة عقود، والحاضر مع الولايات المتحدة التي باتت أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال عالمياً بفضل ثورة الغاز الصخري، فإن المستقبل سيكون لأفريقيا التي لم تُتكشف بعد كامل ثرواتها الغازية، والتي ستكفي وحدها احتياجات سكان القارة، وتساهم في سد جزء من احتياجات أوروبا والعالم.
……
كاتب المقال: الاستاذ الدكتور وائل حامد خبير أسواق الغاز العالمية بمنظمة الأوابك