8 يونيو، 2025
مقالات

الدكتور محمد رضا النديم يكتب: غسيل الأموال وتدمير الاقتصاد في مصر «المال القذر» 

تُعد جريمة غسيل الأموال من التحديات الكبرى التي تواجه الاقتصاد المصري في الوقت الراهن، نظراً لارتباطها بأنشطة إجرامية مثل الفساد، تجارة المخدرات، وتجارة الأثار،التهريب، والتهرب الضريبي. إن تأثير هذه الجريمة لا يقتصر على الجوانب المالية، بل يمتد ليقوض جهود التنمية، ويزعزع الثقة في النظام الاقتصادي. في هذا المقال، نسلط الضوء على خطورة غسيل الأموال في مصر، وآثاره على الاقتصاد الوطني، والجهود المبذولة لمكافحته.

أولًا: ما هو غسيل الأموال؟

غسيل الأموال هو تحويل الأموال الناتجة عن أنشطة غير مشروعة إلى أموال تبدو وكأنها ناتجة من مصادر قانونية، ما يسمح باستخدامها بحرية داخل النظام المالي. تمر هذه العملية بثلاث مراحل:

1. الإيداع (Placement): مثل إيداع أموال ضخمة في حسابات مصرفية أو شراء عقارات وأراضٍ.

2. التجميع (Layering): تحويل الأموال بين عدة حسابات أو مؤسسات للتمويه.

3. الدمج (Integration): إعادة إدخال الأموال في الاقتصاد، كاستثمارها في شركات أو مشاريع قانونية.

ثانيًا: تأثير غسيل الأموال على الاقتصاد المصري

1. إضعاف الاقتصاد الرسمي

عند دخول أموال غير مشروعة في السوق، تتأثر الدورة الاقتصادية الشرعية سلباً، إذ تصبح الأنشطة القانونية غير قادرة على المنافسة، مما يؤثر على نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة.

2. انخفاض الإيرادات الضريبية

الأنشطة التي تُمارَس خارج إطار القانون لا تخضع للضرائب، ما يؤدي إلى تراجع دخل الدولة وتقليص قدرتها على الإنفاق على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة.

3. التأثير على قيمة الجنيه المصري

التعامل غير المنضبط مع الأموال المغسولة يؤثر على السوق النقدية ويخلق ضغطًا على العملة المحلية، مما قد يؤدي إلى انخفاض قيمتها وارتفاع معدل التضخم.

4. تمويل الإرهاب والجريمة المنظمة

غسيل الأموال يسهم في تمويل أنشطة غير قانونية داخل مصر وخارجها، ويشكل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي.

ثالثًا: شراء العقارات كوسيلة لغسيل الأموال

يُعد قطاع العقارات في مصر من أكثر القطاعات عرضة لاستغلاله في عمليات غسيل الأموال، نظرًا لطبيعته التي تسمح بالتعامل النقدي المباشر، وضعف أنظمة التحقق من مصادر التمويل في بعض الحالات، إلى جانب غياب الشفافية في بعض صفقات البيع والشراء.

أسباب استغلال العقارات:

سهولة ضخ الأموال دون رقابة مصرفية.

الاحتفاظ بقيمة الأموال عبر الأصول.

غياب التثمين الدقيق للأسعار.

إمكانية البيع لاحقًا بشكل قانوني.

النتائج:

ارتفاع غير منطقي في أسعار العقارات.

تآكل فرص التملك للطبقة المتوسطة.

خلق سوق سوداء موازية للسوق العقاري النظامي.

مواجهة الظاهرة:

رقابة على العقود العقارية.

فرض الإفصاح عن مصادر التمويل.

إدماج الوسطاء العقاريين في منظومة مكافحة الجريمة المالية.

رابعًا: استغلال الأراضي الزراعية في غسيل الأموال

لا يقتصر غسيل الأموال على العقارات السكنية، بل يمتد إلى الأراضي الزراعية، حيث تتم العديد من المعاملات نقدًا، مع ضعف في التسجيل الرسمي أو الرقابة.

لماذا الأراضي الزراعية؟

معظم الصفقات تتم خارج النظام المصرفي.

ضعف تقدير الأسعار يتيح التلاعب.

استخدامها في البناء غير القانوني لاحقًا.

قلة الرقابة الرسمية في المناطق الريفية.

النتائج السلبية:

ارتفاع أسعار الأراضي، مما يُضعف فرص المزارعين الحقيقيين.

تآكل الرقعة الزراعية بسبب البناء.

إرباك الأمن الغذائي القومي.

تحوّل الريف إلى مناطق استثمارية غير منظمة.

الإجراءات الحكومية:

تفعيل الحيازة الزراعية الذكية.

منع البناء على الأراضي الزراعية.

تتبع ملكيات الأراضي وربطها بنظام إلكتروني.

التعاون مع الجهات القضائية والشرطية لمصادرة الأصول المشبوهة.

خامسًا: جهود الدولة المصرية في مكافحة غسيل الأموال

تبذل الدولة جهودًا كبيرة لمواجهة غسيل الأموال، منها:

تأسيس وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالبنك المركزي، لرصد وتجميد الأموال المشبوهة.

سن قوانين وتشريعات حازمة مثل قانون رقم 80 لسنة 2002 وتعديلاته.

إجبار البنوك على تطبيق أنظمة “اعرف عميلك” (KYC).

تعزيز التعاون الدولي مع مجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENAFATF).

رقابة على تسجيل الأراضي والعقارات بالتعاون مع مصلحة الشهر العقاري والضرائب العقارية.

يشكل غسيل الأموال تهديدًا حقيقيًا للاقتصاد المصري، ليس فقط من حيث خسائر مالية مباشرة، بل في تآكل البنية الاقتصادية، وعرقلة التنمية، وزيادة الفوارق الطبقية. إن محاربته تتطلب تعاونًا فعّالًا بين الدولة، والبنوك، والمواطنين، إلى جانب تحديث التشريعات والرقابة المستمرة على القطاعات الحيوية كالعقارات والزراعة. فبدون مواجهة حاسمة، سيبقى هذا “المال القذر” حجر عثرة أمام مستقبل اقتصادي عادل وآمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *