3 أغسطس، 2025
البترول مقالات موسوعة وأبحاث الطاقة

دكتور جيولوجي أحمد مصطفى يكتب: جبل الزيت وميلاد صناعة البترول بمصر: صدفة غيرت مجرى التاريخ..«الحلقة الثالثة» 

«مرجانٌ يروي قصة خزان»

في هذا المشهد الساحلي من منطقة جبل الزيت نرى جزءًا ضخمًا مكسورًا من مستعمرة شعاب مرجانية قديمة ( massive coral)، تظهر فيه بوضوح فتحات الحُجُرات الصغيرة (corallites) على السطح العلوي، بينما تكشف الجهة المكسورة عن بنية شعاعية تُجسّد نمو الهيكل الكلسي للمرجان طبقةً فوق طبقة.
هذا الحجر الكربوناتي ليس مجرد قطعة جذّابة بصريًا؛ إنه “مقطع حَيّ” يلخّص واحدة من أهم الحلقات الجيولوجية التي ستقودنا لاحقًا إلى فهم كيف ولماذا تستضيف الصخور الجيرية والمرجانية المكافئة مكامن بترولية رئيسية في خليج السويس.
لم يكن استكشاف البترول في مصر خلال أواخر القرن التاسع عشر مبنيًا على فهم جيولوجي متكامل كما نعرفه اليوم.
إن الجيولوجيين الأوائل الذين كانوا ينقبون عن البترول في منطقة جبل الزيت لم تكن لديهم حينها فكرة واضحة عن الشعاب المرجانية كخزانات محتملة للنفط، ولم تكن تلك التكوينات هدفًا مباشرًا للاستكشاف كما هو الحال اليوم. ولو صادف أحدهم مثل هذه المستعمرة المرجانية على السطح، لربما أُعجب بتفاصيلها وبنيتها دون أن يدرك أهميتها تحت الأرض، أو يحاول تتبّع وجودها في باطن الأرض كمكوّن جيولوجي حاضن للهيدروكربونات.
لكن مع مرور الزمن وتقدّم أدوات الاستكشاف وفهم البيئات الترسيبية، تبيّن أن بعض أغنى الحقول البترولية في خليج السويس – مثل رأس فنار وعامر – كانت تقع ضمن تكوينات كربوناتية نشأت من شعاب مرجانية قديمة مشابهة تمامًا لما يمكن رؤيته اليوم على شاطئ جبل الزيت. هكذا تحوّلت مشاهد كانت تُعتبر “جميلة فقط” إلى مفاتيح لفهم ثروات باطن الأرض.
لكن يبقى السؤال الأهم:
لماذا تُعد هذه القطعة من الشعاب المرجانية المتحجرة مهمة ضمن سلسلة “تاريخ صناعة البترول في مصر وبدايات الاستكشاف في جبل الزيت”؟
ما الذي يمكن أن تخبرنا به هذه البقايا الصامتة عن أعماق الأرض وعن أسرار التراكم البترولي؟
وهل يمكن أن تكون هي المفتاح لفهم كيف بدأ تكوّن الخزانات البترولية في هذه المنطقة؟
(انتظروني في الجزء القادم…)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *